آخر تحديث :السبت - 26 أبريل 2025 - 02:40 ص

اخبار وتقارير


"الكشتات" العصرية تعكس تغيرا سريعا وعميقا في المجتمع السعودي

الأحد - 28 يناير 2024 - 09:48 م بتوقيت عدن

"الكشتات" العصرية تعكس تغيرا سريعا وعميقا في المجتمع السعودي

العين الثالثة/متابعات

لم تعد الرحلات البرية “الكشتات” المرتبطة بالشتاء والأجواء الربيعية حكرا على الرجال والشباب بعد دخول النساء في المنافسة، وهي مجال من عدة مجالات تشير إلى أن السعودية تتغير ليس فقط من الناحية العامة وإنما تشهد تغيرا سريعا وعميقا في المجتمع رغم الانتقادات بأن المجتمع المحافظ غير راض عن مسيرة الانفتاح.

وتعتبر الكشتة جزءا من تاريخ المملكة وتراثها وتحوّلت إلى عادة يتبعها السعوديون شتاءً، وطالها المظهر العصري كجزء من التحول الذي يقوده الجيل الحالي الأكثر عصرية في البلاد. ويبدأ موسم “الكشتات” في مطلع نوفمبر ويستمر حتى مارس من كل عام، وهي الفترة الأشهر التي تشهد فيها السعودية انخفاضا في درجة الحرارة، فيبدأ الاحتفال بنهاية فصل الصيف بالخروج إلى الصحراء.

والكشتة عبارة عن نزهة برية يتم تنظيمها في مناطق باتجاه جبال تخفة شمال غربي محافظة الرصد السعودية في منطقة القصيم، بسبب انخفاض درجات الحرارة بها، وهطول الأمطار على المنطقة.

المتعة في بساطة الحياة
النمط العصري للكشتات أنعش مبيعات متاجر أدوات الرحلات والخيام، التي تتنافس على استغلال الأجواء الباردة لترويج بضائعها

ويتم تنظيم هذه الرحلة البرية من خلال تجهيز مركبات مهيئة بداخلها خيام ولوازم برية متنوعة للتخييم، تجهَّز فيها ما يعرف بـ”العزبة”، وهي لوازم الطبخ وتحضير أنواع مختلفة من القهوة والشاي. ويتم الاتفاق على القيام بالرحلة قبل موعدها بنحو ثلاثة أسابيع، إلا أن الكشاتة اعتادوا على تجهيز السيارات بصورة دورية، فحتى إذا تم الاتفاق على القيام بالرحلة بشكل مفاجئ يكون كل شيء جاهزا في السيارة.

وتتسم الأجواء التي يعيشوها الكشاتة خارج المدينة بالسكينة والهدوء حيث الابتعاد عن ضجيج المدينة ونمط الحياة اليومية التي يمارسونها، وكلما وجد السعوديون وقت فراغ تجمعوا بنداء “الكشتة يا عيال”.

والهواية التي حافظت على موسمها لم تعد تحافظ على طقوسها العامة. وبدأت ملاحظة الخدمات ذات الخمس نجوم في جلسات الصحراء، وازدياد أعداد النساء في هذه الأماكن بعد أن كانت الحياة البدائية للصحراء حكرا على الرجال. وتسبب هذا الإقبال في دخول مزودي خدمات جدد إلى هذا القطاع، نتج عنه أسلوب جديد أكثر رفاهية وعولمة، تحولت فيه الصحراء إلى مساحة لاستعراض الإمكانيات بين متعهدي الرحلات ومقدمي خدمات التنزه.

وتكثر إعلانات المخيمات في شبكات التواصل الاجتماعي السعودية، بحثا عن هواة التخييم والكشتات وتشتمل معظمها على خيمة وبيت شعر ودورة مياه إلى جانب جلسات خارجية مظللة ومكان للطبخ وساحات للألعاب، وكلما ابتعدت المخيمات عن المدينة قلت خدماتها وزاد اتكاؤها على جودة الكثبان الرملية وشهرة الموقع من حيث جاذبيته للتخييم.

النساء دخلن مجال تجهيز الكشتات إذ يردن طريقة أكثر جمالا وملاءمة للتصوير بالإضافة إلى رحلة مريحة بعيدة عن عناء التجهيز

ودخل أصحاب المحلات مع بدء موسم الشتاء في سباق كبير على مختلف شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، للترويج والإعلان عن المخيمات من ناحية أنواعها وأسعارها ومساحاتها، التي تستقطب هواة التخييم والرحلات البرية، إذ تنتعش في هذه الفترة سوق الخيام، التي تستمر حتى شهر مارس المقبل.

ويجد بائعو المخيمات البرية ولوازمها أن موسم الشتاء سوقا اقتصاديا لبيع وتأجير المخيمات، نتيجة للإقبال الكبير عليها من مختلف الأعمار، حيث ينتظره تجار الخيام كل موسم، ويعزون هذه الحركة النشطة في هذا الجانب إلى بحث الشباب والعوائل عن الهدوء والراحة والسكينة والطمأنينة في وسط (البرية)، بعيدا عن صخب الحياة اليومية وضجيج العمران، ومما يضفيه الشتاء من أجواء جميلة، مع هطول الأمطار.

ويقول صاحب أحد محلات بيع وتأجير المخيمات “هناك إقبال على المخيمات من الشباب والعوائل، خصوصا أيام الجمعة والسبت، حيث يصل تأجير المخيمات بحسب حجم الخيمة سواء كانت عمودا أو أكثر خلال هذين اليومين إلى 1300 ريال أو أكثر، وعادة تكون مزودة بخزانات المياه ومواطير الكهرباء والسجاد، إضافة إلى أن البعض يطلب مخيمات جاهزة تكون فيها ألعاب للأطفال والمطبخ ودورة مياه”، مشيرا إلى أن البعض يهتم بألوان المخيم الداخلي والشكل، ونظافته، مبينا أن في الأيام العادية يصل المخيم إلى 700 ريال، مؤكدا أن الأسعار تتفاوت بحسب الخدمات المزودة والمساحة المطلوبة.


و”الكشتات” المقدمة تختلف في أسعارها وفقا لشكل الجلسة ومساحتها والأدوات الأساسية والكماليات المضافة إلى المكان، التي تتضمن خيمة وجلسات مريحة ونارا مضاءة سلفا، وأشجارا بلاستيكية، وشموعا وأنوارا، وبعض الوجبات والمشروبات الساخنة، وغالبا ما تكون مدة تأجيرها 7 ساعات، ويصل سعر تجهيزها إلى 800 ريال (200 دولار).

وأوضح الخبير السياحي خالد آل دغيم أن أكثر من 70 في المئة من العائلات السعودية تحب أجواء البر والتخييم حيث يجد الكثير منهم المتعة في العودة إلى بساطة الحياة، وهناك العديد منهم خصص في منزله “بيت الشعر” لقضاء مثل تلك الأجواء والاستمتاع بهذه اللحظات وسط شبة النار والشاي على الجمر والضيافة البدوية الأصيلة، لافتا إلى أن الكثير من رجال الأعمال اتجهوا مؤخرا للاستثمار في مجال التخييم والمخيمات في العديد من المواقع في السعودية.

وقال آل دغيم “التخييم خلق سوقا استثمارية وتنافسية بين المستثمرين لإيجاد خيارات وبدائل بأسعار مختلفة تبدأ من 150 ريالا لليلة وتصل إلى ألفين ريال تبعا للمساحة والخدمات والإطلالة والموقع، كما أدى ظهور هذا التوجه إلى إنعاش مبيعات متاجر أدوات الرحلات والخيام، التي تتنافس هذه الأيام على استغلال الأجواء الباردة لترويج بضائعها بين هواة رحلات البر”.

وأضاف “أدى نشاط التخييم إلى إنعاش أسواق الألعاب مثل البلوت والكوتشينة والألعاب الورقية واستثمار بعض المواقع في توفير وتأجير الدراجات النارية وتوفير مواقع لألعاب الأطفال والملاهي المتحركة”.

ودخلت النساء مجال تجهيز هذا النوع من الرحلات فمعظم الذين يطلبونها من البنات. إذ يردن طريقة أكثر جمالا وملاءمة للتصوير، بالإضافة إلى رحلة مريحة بعيدة عن عناء التجهيز.

وتقول إحدى منظمات الرحلات إن الفتيات يفضلن الكشتة في أماكن قريبة من النطاق العمراني، لأنها أكثر أمانا وقربا من الخدمات. وتوضح “من يرتادون (كشتاتنا) هم من الذين يريدون الجديد واللافت والمبهر للعين، لذلك نقدم لهم خدمات خاصة غير معتادة”.

وأشارت الإعلامية عزيزة نوفل إلى أن متعة رحلات الكشتة في كونها توفر مساحة للهدوء والراحة بعيدا عن ضوضاء المدن وضجيج السيارات وازدحام الطرق، وهي رحلات تساعد على صفاء الذهن وتأمل الطبيعة.

وعبرت الشيف ميساء حاتم الشهيرة بميساء كتشن، أنها تعشق في الكشتات عمل المشاوي المشكلة من لحم أو دجاج أو شيش طاووق مع السلطات، مبينة أن “برميل المندي” من الأطباق المعروفة أثناء الكشتات إلى جانب الطهي على الحطب، مشيرة إلى أن سبب إقبال السيدات على هذه الرحلات هو “الرغبة في تغيير الجو ولقاء الصديقات في أجواء خارجية”.

ووجدت مجموعة من محبي الرحلات البرية وتسلق الجبال اسمها “طويق”، نفسها أمام طلب هائل من قبل أشخاص لم يسبق لهم أن خرجوا إلى صحراء، أو تسلقوا جبلا، لكنهم يبحثون عن فرصة للتنزه. وبدأت “طويق” رحلة جديدة لتوسيع خدماتها تلبية لمستفيدين جدد لا يعرفون بعضهم عادة، فتنظم لهم رحلة مشتركة مكتملة العناصر.

وتتضمن رحلات الصحراء الجديدة فعاليات موسيقية وحركية وركوب خيل وتطعيس، وتزلجا على الرمل، بالإضافة إلى تقديم وجبات جاهزة. وهناك للمجموعة الواحدة أكثر من مكان للتخييم فيه.

وبدأت المؤسسات الرسمية بالتعامل مع هذا النوع من الكشتات بشكل جدي. ووفق حاتم قائد فريق “طويق”، فقد تطلب إكمال النشاط الذي بدأ فرديا وعفويا إصدار تراخيص تتضمن اشتراطات سلامة وتنظيم. ويضيف “وزارة السياحة منحتنا تصريحا يسمح لنا بجمع أموال الاشتراكات، وأخذ الناس في جماعات في كشتة، في حين تزورنا فرق تفقدية من الوزارة في وسط الصحراء للتأكد من تطبيق الاشتراطات الصحية، ومدى جاهزية سياراتنا ومكان الكشتة لحالات الطوارئ”.

70
في المئة من العائلات السعودية تحب أجواء البر والتخييم والعودة إلى بساطة الحياة في “بيت الشعر”

ولاحظ فريق طويق من خلال تجربتهم أن الجيل الجديد يحب هذا النمط أكثر من النوع السابق، إذ يشارك في الرحلة الواحدة نحو 150 شخصا.

وتوسعت الرحلات الترفيهية للشباب في السعودية مع اتجاههم لاستكشاف كل جديد خصوصا أن مناطق شاسعة في السعودية تعيش تحولا لافتا، مع انطلاق مشاريع عملاقة لإعادة تهيئتها بما يتناسب مع رؤية المملكة الجديدة، القائمة على دعم الاستثمار السياحي، ضمن جهود التخلص من التبعية لمداخيل النفط.

ومدينة العلا التي تقع شمالي المملكة واحدة من أبرز المناطق التي تشهد انتعاشا سياحيا لافتا، وقالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن المئات من الشباب السعوديين انخرطوا في جهود النهوض بالسياحة في هذه المنطقة التاريخية، التي تضم مقابر نبطية يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام.

وحياة (24 عاما) شابة، تخرجت حديثا من الجامعة بدرجة ماجستير في علوم الإعلام الآلي، قالت في حديث للصحيفة الفرنسية “إنها فرصة لنا أن يكون لدينا كل هؤلاء السياح في العلا، ليس علينا الذهاب إلى المدينة المنورة أو جدة للاستمتاع بالمقاهي والمتاجر.. هذا يخلق الكثير من الوظائف هنا”.

وتضم مدينة العلا أيضا مدائن صالح الشهيرة المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو منذ 2008، والتي يثار جدل ديني حول حرمانية السياحة فيها، وقد أصبحت اليوم تعج بالسياح ما جعل سكانها من الشباب ينخرطون بشكل آلي في هذه الدينامية.

المئات من الشباب السعوديين انخرطوا في جهود النهوض بالسياحة في المناطق التاريخية

وقبيل بدء هذه الحركية السياحية، كان أغلب سكان العلا البالغ عددهم 50 ألف نسمة يعيشون على زراعة التمور والليمون والبرتقال وتربية الجمال والأغنام.

لكن مصير العلا تغير جذريا، عندما جعلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروعا رائدا ضمن خطته المعروفة باسم “رؤية 2030″، التي تهدف إلى انفتاح البلاد على السياحة وتطوير صناعة الترفيه، بدلا من الاعتماد الكلي على النفط.

وفي هذا الإطار، حصلت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وهي هيئة عامة تابعة للملك، على ميزانية قدرها 35 مليار دولار لتحويل الموقع إلى وجهة سياحية فاخرة. ويؤكد فيليب جونز، وهو أحد خبراء الهيئة الملكية لمحافظة العلا، ذلك بالقول “نحاول دمج المشروع في النظام البيئي المحلي بطريقة مستدامة”.

وعند إطلاق مشروع تهيئة العلا في عام 2018، تقول الصحيفة، لم يكن هناك شيء تقريبا، عدا فندقين ومطعمين. بعد ذلك، تم بناء الفنادق الفخمة وتوسيع المطار بشكل كبير.

وبحلول نهاية عام 2023، كان يفترض أن توفر هذه الوجهة ألف غرفة فندقية لـ225 ألف زائر متوقع، معظمهم من السعوديين. لكن بحلول 2030، يجب أن يتحقق هدف استقبال مليون سائح سنويا في 4000 غرفة فندقية.

وللترويج للوجهة الجديدة، نظمت الهيئة الملكية لمحافظة العلا مهرجانات ثقافية وفنية ومسابقات رياضية رفيعة المستوى بالقرب من المواقع الأثرية والمحميات.

شاهد أيضًا

من المكلا إلى غيل بن يمين.. هل تلاشت رمزية الشهيد بن حبريش؟ ...

السبت/26/أبريل/2025 - 12:15 ص

في فعالية "حضرموت أولًا" التي أقيمت في المكلا، كانت صورة الشهيد المقدم سعد بن حبريش حاضرة بشكلٍ قوي وواضح، مما أثار مشاعر الحضور وذكّرهم بتض


أمواج التحرير تهتف بالجنوب.. المكلا تحتفي بعامها التاسع على ...

الجمعة/25/أبريل/2025 - 10:15 م

في لوحة بحرية احتفالية نسجتها أمواج المكلا، شهدت المدينة صباح اليوم عرضًا بحريًا مهيبًا، إحياءً للذكرى التاسعة لتحرير ساحل حضرموت من قبضة التنظيمات ال


الانتقالي يُسقط أقنعة صنعاء في حضرموت ويعيد الجنوب إلى الواج ...

الجمعة/25/أبريل/2025 - 06:00 م

حسم المجلس الانتقالي الجنوبي الموقف في حضرموت، مسقطا بذلك كل المشاريع المدعومة من قِبل أحزاب وقوى صنعاء وتفريخاتها التي ظهرت مؤخرًا في وادي حضرموت. ون


الزُبيدي وحضرموت: كيف تحوّل قائد جنوبي إلى رمز في قلوب الحضا ...

الجمعة/25/أبريل/2025 - 04:00 م

في مشهد استثنائي لم يكن مألوفًا في حضرموت لعقود، ارتفعت صور الرئيس عيدروس الزُبيدي في المليونية الأخيرة بالمكلا، كأنها تعبير جماعي عن ثقة شعبية نادرة،