في مشهد يتكرر بإلحاح مؤلم، تقف العاصمة عدن أمام كارثة خدمية جديدة تنذر بانقطاع شامل للتيار الكهربائي خلال أيام، بعد أن أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء توقف محطة "الرئيس بترومسيلة" نتيجة نفاد مخزون النفط الخام، ما أدى إلى خفض القدرة التوليدية إلى أدنى مستوياتها، وسط صمت رسمي مخيف وتجاهل حكومي لمناشدات متكررة.
محطة رئيسية تتوقف.. والمدينة تغرق في الظلام
في مساء يوم الإثنين، عند تمام الساعة التاسعة، توقفت محطة "بترومسيلة" بشكل كامل، وهي واحدة من أهم المحطات العاملة في شبكة كهرباء عدن، وذلك بعد نفاد الوقود بشكل كلي، وهو ما وصفته المؤسسة العامة للكهرباء بأنه "خارج عن إرادتها".
المؤسسة أكدت في بيان رسمي أن الجهود التي بُذلت على مدار الأيام الماضية لتأمين الحد الأدنى من التشغيل لم تسعف المحطة، بسبب الانقطاع غير المنتظم في إمدادات النفط الخام من منشأة صافر بمحافظة مأرب، ما أدى إلى عجز كامل عن الاستمرار في الإنتاج.
تدهور شامل في المنظومة الكهربائية
تداعيات توقف محطة "بترومسيلة" لم تكن معزولة، إذ صاحبها تراجع كبير في إنتاج المحطات الأخرى التي تعتمد على وقود الديزل والمازوت، ما تسبب في ارتفاع كبير في ساعات الانقطاع لتصل إلى عشر ساعات متواصلة مقابل ساعتين فقط من التشغيل، بحسب ما أفادت به مصادر في مؤسسة الكهرباء.
وأشارت المصادر إلى أن التوليد الحالي في العاصمة لا يتجاوز 80 ميجاوات فقط، في حين يتطلب الحد الأدنى من الاستقرار أكثر من ضعف هذا الرقم، محذرة من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل عاجل قد يؤدي إلى انطفاء تام خلال أقل من أربعة أيام، خصوصًا مع قرب نفاد وقود المحطات المتبقية.
نداءات استغاثة وسط تجاهل حكومي
في ظل هذه الأزمة، جددت المؤسسة العامة للكهرباء مناشدتها لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة بسرعة التدخل وتوفير كميات عاجلة من الوقود بكافة أنواعه، مؤكدة أن عودة المحطات للعمل مرهون بوصول إمدادات جديدة خلال الساعات القليلة القادمة.
لكن هذه النداءات، التي تكررت في كل أزمة مماثلة، غالبًا ما تُقابل بالتجاهل أو الوعود المؤجلة، ما يعكس حالة من الانفصال الواضح بين مراكز القرار وميدان المعاناة، في وقتٍ تعيش فيه عدن ظروفًا استثنائية على مستوى الخدمات الأساسية.
أزمة الكهرباء تتقاطع مع انهيار العملة
ما يزيد من قتامة المشهد أن أزمة الكهرباء تزامنت مع انهيار جديد للعملة الوطنية، إذ تجاوز سعر صرف الدولار حاجز 2500 ريال، في ظل عجز البنك المركزي عن فرض أي استقرار رغم تنظيمه مزادات متكررة لبيع العملة الصعبة.
وهذا التدهور المالي يلقي بظلاله على قطاعات الخدمات كافة، إذ إن أغلب شركات التوليد الخاصة ومحطات الكهرباء الحكومية تعتمد على مشتقات مستوردة تُسعَّر بالدولار، ما يضاعف الكلفة التشغيلية ويقلل القدرة على الاستمرار، في ظل غياب أي دعم أو تسهيلات مالية عاجلة.
السكان بين مطرقة العجز وسندان الإهمال
مع كل أزمة كهرباء، تُختبر قدرة الناس على الاحتمال، في مدينة تعاني درجات حرارة مرتفعة، وخدمات صحية متردية، وانعدام مقومات الحياة الأساسية. ويجد المواطن نفسه مجبرًا على التعايش مع الظلام، بينما تفقد الأسر المرضى والأطفال وكبار السن سبل التهوية والتبريد في منازلهم.
القطاع التجاري والصناعي كذلك يتلقى ضربة موجعة مع كل ساعة انقطاع، ما يهدد بإغلاق المزيد من الأنشطة الاقتصادية، وتراجع حركة السوق، وارتفاع أسعار السلع بسبب التكاليف التشغيلية المتزايدة، وهو ما يدفع المدينة أكثر فأكثر نحو حافة الانهيار الكامل.
لا كهرباء.. لا عملة.. ولا أفق
بات من الواضح أن أزمة الكهرباء في عدن لم تعد مجرد مشكلة فنية أو عابرة، بل أصبحت عنوانًا لفشل ممنهج في إدارة شؤون الخدمات الأساسية، وانعكاسًا واضحًا لحجم الفجوة بين السلطات المحلية والمركزية، وبين الواقع الميداني والمعالجات النظرية.
وما لم يتم التحرك السريع لتوفير الوقود وضمان استمرارية التشغيل، فإن العاصمة عدن قد تدخل مرحلة من "العتمة الكاملة"، ما ستكون له انعكاسات خطيرة على الوضع الإنساني والمعيشي، وربما الأمني أيضًا، في مدينة تتقلب على صفيح ساخن من الأزمات المتتالية.