تعيش محافظة حضرموت مرحلة دقيقة من تاريخها السياسي والأمني، حيث تتقاطع أطماع الداخل وتدخلات الخارج، ضمن صراع محتدم بين قوى متنازعة تسعى كلٌ منها لفرض مشروعها في أكبر محافظات اليمن وأكثرها أهمية استراتيجية واقتصادية.
ما يجري في حضرموت لم يعد مجرد تحرك سياسي أو تباين وجهات نظر، بل هو إعادة تشكيل متسارعة للمشهد، تنذر بتداعيات تتجاوز حدود المحافظة نحو كامل الجنوب.
التحركات المتصاعدة.. ما وراء الدعم القبلي والديني؟
برزت في الآونة الأخيرة تحركات لافتة لقيادات قبلية وسياسية مدعومة من قوى حزبية ودينية، في محاولة لإعادة موضعة نفوذها بعد سنوات من التراجع، حيث عاد الحديث عن دعم حزب الإصلاح لمؤتمر حضرموت الجامع بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، وسط تساؤلات عن أهداف هذا التقارب، وما إذا كان يعكس مجرد توافقات محلية أم يخفي خلفه أجندات إقليمية.
يرى محللون أن هذه التحالفات تُستثمر كغطاء لإعادة تدوير نفوذ تيارات فشلت في تقديم مشروع حقيقي يخدم حضرموت، محذرين من مغبة تحويل الحراك القبلي إلى منصة لفرض أجندات تتقاطع مع مشاريع متطرفة، لطالما كانت سبباً في زعزعة الاستقرار وتغذية الصراعات.
حركات جديدة.. قديمة في النوايا
من بين الظواهر المثيرة للقلق، بروز تشكيلات تحمل تسميات حديثة مثل "حركة التغيير والتحرير"، في مناطق استراتيجية من وادي حضرموت، وهو ما يرى فيه مراقبون غطاءً سياسياً لتحركات ذات طابع ديني متطرف، يقودها أشخاص سبق ارتباطهم بتنظيمات إرهابية.
ولعل إعلان رئيس هذه الحركة، رياض النهدي، عن تبرّئه من تنظيم القاعدة، لا يمحو ماضيه المرتبط بجماعات متشددة، ما يطرح تساؤلاً حول النوايا الحقيقية من وراء هذا الظهور المتجدد، ومن يقف خلف دعم هذا الكيان الذي وُصف بأنه محاولة لتكرار سيناريو الفوضى تحت لافتات الإصلاح المجتمعي والدعوة للتمكين.
المجلس الانتقالي الجنوبي.. بين التحدي والتصعيد
أمام هذه التحديات، يتحرك المجلس الانتقالي الجنوبي بثبات لتثبيت حضوره كحامل سياسي وشعبي لمشروع الدولة الجنوبية، إذ لا تخفى تحركاته الميدانية والسياسية في حضرموت، وفي مقدمتها الدعوة إلى فعالية شعبية كبرى في المكلا يوم 24 أبريل، في ذكرى تحرير المدينة من الإرهاب، في تأكيد رمزي على دوره القيادي في حماية المحافظة.
ويدرك المجلس أن حضرموت ليست مجرد جغرافيا بل هي ركيزة للاستقرار السياسي والاقتصادي في الجنوب، وأن أي محاولة لإضعاف سلطته أو تفكيك نسيجه المجتمعي سيكون لها تبعات كارثية على مستوى الإقليم برمته.
قوى متطرفة في ثياب جديدة
في حين تنشغل بعض القوى بالدعوة لحكم ذاتي غامض الملامح، تظهر مؤشرات على عودة أنشطة إرهابية في وادي حضرموت، ما يعزز فرضية أن التحركات السياسية والدينية التي تشهدها المحافظة ليست بريئة من الارتباط بخطط تهدف إلى زعزعة الأمن، وإعادة إنتاج التطرف في عباءة قبلية أو حزبية.
أجندات خارجية وأطماع إقليمية
لا يمكن فهم المشهد في حضرموت دون النظر إلى التنافس الإقليمي والدولي الذي جعل من المحافظة مسرحاً لتصفية الحسابات الجيوسياسية، فهناك تقارير تتحدث عن دعم خارجي لحركات جديدة، بعضها مرتبط بتركيا، والآخر بتمويلات مشبوهة تهدف لإيجاد بدائل للمكونات الجنوبية الشرعية، وخلق كيانات موازية تحاكي النموذج الليبي أو السوري في مناطق النزاع.
هل تنجح حضرموت في صد العاصفة؟
المرحلة القادمة تبدو حاسمة، ليس فقط بالنسبة لحضرموت، بل لمستقبل المشروع الجنوبي ككل. فالمعركة اليوم لم تعد بين مكونات متنازعة على النفوذ، بل بين مشروع وطني يسعى إلى بناء دولة عادلة تحمي الجميع، وبين مشاريع رجعية تريد إعادة عقارب الزمن إلى الوراء.
ومع اقتراب موعد الفعالية المرتقبة في المكلا، تتجه الأنظار إلى الشارع الحضرمي، الذي يبدو حاسماً في قراره بالوقوف إلى جانب من حافظ على أمنه، وقدّم تضحيات ملموسة، لا من يحاول ارتداء ثوب جديد لماضي لا يُراد له أن يعود.
تضل حضرموت اليوم بين خيارين: إما أن تكون حاضنة للمشروع الجنوبي القائم على الشراكة والعدالة، أو أن تُستغل كأداة لصراعات بالوكالة تقودها جماعات فقدت شرعيتها الشعبية.. وبين هذا وذاك، يبرز صوت المواطن الحضرمي، الذي يتوق إلى الاستقرار ويعي جيداً من يقف إلى جانبه ومن يسعى لاختطاف صوته لمآرب لا تخدم إلا مشاريع الخراب.