رغم الجهود المتكررة التي يبذلها البنك المركزي اليمني في عدن لمحاولة كبح تدهور قيمة العملة المحلية، إلا أن الريال اليمني سجل خلال الأيام الأخيرة انهيارًا جديدًا، تجاوز فيه الدولار الأمريكي حاجز 2500 ريال في الأسواق المصرفية بالمناطق المحررة، ما يعكس تحديات كبيرة تواجه السياسة النقدية في ظل واقع اقتصادي متدهور وشبه غياب لسياسات فاعلة ومستقرة.
مزادات متكررة دون تأثير فعلي
في خطوة بدت عاجزة عن تحقيق الأثر المنشود، أعلن البنك المركزي عن تنظيم مزاد جديد لبيع 30 مليون دولار أمريكي في التاسع والعشرين من أبريل 2025، وهو المزاد الحادي عشر منذ بداية العام.
وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان نتائج المزاد العاشر، الذي لم يشهد سوى استجابة محدودة من قبل البنوك التجارية، حيث بلغت قيمة العطاءات المقدمة نحو 15.4 مليون دولار فقط، أي ما يعادل 53% من إجمالي المبلغ المعروض.
هذا التراجع في الإقبال يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جدوى استمرار هذه المزادات في ظل غياب طلب فعلي حقيقي على الدولار من قبل البنوك، وانخفاض قدرة هذه المؤسسات على توفير سيولة كافية للمشاركة في المزادات، وهو ما يعكس حجم الأزمة الهيكلية في القطاع المصرفي اليمني.
فجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق
ورغم أن البنك المركزي حدد سعر المزاد عند 2409 ريال للدولار، إلا أن الأسواق المصرفية سجلت سعرًا أعلى بكثير، حيث قفز الدولار إلى 2506 ريال عند البيع، و2480 ريال للشراء، في حين وصل سعر صرف الريال السعودي إلى 657 ريالًا للبيع و652 ريالًا للشراء، ما يعكس اتساع الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق، ويقوض جهود البنك في فرض استقرار نسبي في سعر الصرف.
أسباب الانهيار تتجاوز السوق المالية
ويرى خبراء اقتصاديون أن تدهور قيمة العملة المحلية لا يعود فقط لعوامل فنية تتعلق بسوق النقد، بل يرتبط أيضًا بجملة من الأسباب السياسية والاقتصادية والأمنية المتداخلة، في مقدمتها غياب موارد مستدامة من النقد الأجنبي، واستمرار تعطيل تصدير النفط الذي يمثل المصدر الرئيس للعملة الصعبة في البلاد.
كما ساهمت الأزمة الإنسانية وانعدام الثقة بالسياسات المالية الحكومية في زيادة المضاربة على العملة، ما دفع التجار والمواطنين إلى التحول إلى الدولار والعملات الأجنبية الأخرى كوسيلة لحفظ القيمة، ما زاد الطلب ورفع الأسعار بشكل مضطرد.
البنك المركزي في موقف حرج
يبدو أن البنك المركزي بات محاصرًا بين ضعف أدواته النقدية، وتراجع الثقة في سياسته، وشح الموارد، ما يجعله عاجزًا عن التدخل بفاعلية في سوق الصرف، وعلى الرغم من استخدام منصة Refinitiv الإلكترونية لتنظيم عمليات المزاد بشفافية، فإن ذلك لم ينعكس إيجابًا على استقرار العملة، بل بدا أن السوق الموازية تسير باتجاه مغاير تمامًا لخطط البنك.
ما المطلوب؟
أمام هذا المشهد، تتزايد الدعوات لضرورة تبني استراتيجية وطنية اقتصادية شاملة، لا تكتفي بإجراءات شكلية بل تعالج الجذور الحقيقية للمشكلة، مثل تحريك عجلة الإنتاج، واستعادة تصدير النفط والغاز، ووقف الفساد المالي والإداري، وتعزيز استقلالية البنك المركزي وتفعيل أدواته الرقابية.
ويرى مراقبون أن معالجة تدهور الريال اليمني تحتاج إلى حزمة إجراءات متزامنة، تبدأ بإصلاح النظام المصرفي، مرورًا بضبط السوق السوداء، وليس انتهاءً بإعادة الثقة في الدولة كمظلة اقتصادية مستقرة قادرة على إدارة النقد والموارد.
في ظل غياب حلول استراتيجية متكاملة، تبدو مزادات البنك المركزي مجرد محاولات لتأخير الانهيار بدلاً من منعه، فالسوق تُدار بعوامل أكبر من سعر الصرف الرسمي، والعملة المحلية أصبحت رهينة لأزمات متشابكة لا يمكن فك شيفرتها بمزاد أسبوعي.