في مشهد استثنائي لم يكن مألوفًا في حضرموت لعقود، ارتفعت صور الرئيس عيدروس الزُبيدي في المليونية الأخيرة بالمكلا، كأنها تعبير جماعي عن ثقة شعبية نادرة، وبيان ولاء غير مباشر لقضية وطنية تتجدد مع كل لحظة فارقة، فكيف تمكّن هذا القائد الجنوبي من ملامسة وجدان الحضارم بهذه القوة؟
منذ لحظة ظهوره السياسي، لم يتعامل الزُبيدي مع حضرموت كمجرد ملف ثانوي، بل كانت حاضرة في خطابه ومواقفه كركن أصيل في مشروع استعادة الدولة الجنوبية، وأدرك مبكرًا أن استمالة الشارع الحضرمي لا تتم بالشعارات، بل بالمواقف، ولهذا كانت أولويته دعم القوات الأمنية المحلية، وتحديدًا قوات النخبة الحضرمية، لتكون نواة للسيادة الأمنية على الأرض.
موقف ثابت… ووعود تُنفذ
ما يميّز الزُبيدي في نظر كثير من الحضارم هو ثباته في الموقف تجاه ما يصفونه بـ"الوجود العسكري الغريب" في وادي حضرموت، حيث ما تزال قوات من المنطقة العسكرية الأولى تتمركز هناك، في هذا السياق، لم يتردد الزُبيدي في تأكيد أن بقاء هذه القوات يمثل اختلالًا أمنيًا وسياسيًا، وأن من حق أبناء الوادي إدارة شؤونهم بأنفسهم، كما هو حال الساحل.
لم تكن هذه مجرد تصريحات إعلامية، بل رافقتها خطوات عملية، تمثلت في تعزيز التنسيق مع المكونات السياسية والمجتمعية الحضرمية، وتوفير الغطاء السياسي للمطالب الشعبية بضرورة تمكين أبناء حضرموت من مواردهم ومصيرهم.
حضرموت… من الهامش إلى مركز القرار
شعور الحضارم بأن قضيتهم لم تعد مهمشة، وأن قيادتهم أصبحت تُصغي وتتحرك وفق رؤيتهم، كان كافيًا لإحداث نقلة نوعية في العلاقة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، بدا ذلك جليًا خلال الفعاليات الجماهيرية الأخيرة، التي رفعت صور الزُبيدي ليس كزعيم فقط، بل كرمز يتقاطع مع تطلعاتهم في التحرر والسيادة.
هذا الالتفاف الشعبي حوله لا يُقرأ فقط من زاوية الولاء السياسي، بل يُعد تعبيرًا عن لحظة وعي جماعي، ترى في مشروع الاستقلال الجنوبي سبيلًا لوضع حد لسنوات من التهميش والهيمنة المركزية، وهو ما جعل الزُبيدي يمثل بالنسبة لكثيرين في حضرموت صوتهم الحقيقي في المعادلة السياسية المعقدة.
تحوّل في المزاج السياسي
ربما اللافت في كل هذا، أن قطاعات واسعة من الشباب والناشطين الحضارم، الذين كانوا يتبنون مواقف متحفظة تجاه العمل السياسي الجنوبي، باتوا اليوم أكثر انخراطًا في الفعل الوطني تحت مظلة الانتقالي، وهو تحوّل يراه مراقبون مرتبطًا بقدرة الزبيدي على الجمع بين الوضوح السياسي والمرونة في إدارة التباينات.
ففي زمن الاضطراب والضبابية، يبدو أن الثقة تُمنح لأولئك الذين يقولون ما يفعلون، ويفعلون ما يؤمنون به، ولهذا، لم يكن غريبًا أن يتحوّل الزُبيدي في وجدان كثير من الحضارم من مجرد قائد جنوبي إلى رمز يعبّر عن لحظة جنوبية ناضجة، تسعى لحصاد التضحيات وتحقيق الأمل الكبير.