عادت الحياة المدرسية إلى طبيعتها في عدد من المحافظات الجنوبية، بينما لا تزال العاصمة عدن تئن تحت وطأة إضرابٍ تعليمي دخل شهره الرابع دون بارقة أمل، وسط صمت رسمي وصفه مراقبون بـ"المرتبك والمخيب للآمال"، وتساؤلات شعبية مشروعة: من المسؤول عن تجهيل الأجيال في قلب الجنوب؟
عودة جزئية... وعدن خارج الحسابات
أعلنت إدارات التربية والتعليم في محافظات حضرموت (الساحل)، شبوة، ولحج، عن استئناف الدراسة في المدارس الحكومية والخاصة، بعد توقف جزئي استمر لأسابيع بسبب مطالبات المعلمين بتحسين أجورهم، وجاءت العودة إثر تفاهمات بين السلطات المحلية ونقابات المعلمين، تخللها صرف بعض الحوافز الشهرية والتعهد بمواصلة معالجة الأوضاع المعيشية للكوادر التربوية.
في المقابل، التزمت العاصمة عدن، التي يفترض أنها النموذج الإداري والسياسي للجنوب، الصمت الكامل، وسط استمرار الشلل التام في العملية التعليمية منذ بداية يناير 2025، دون أي تحرك رسمي ملموس من قبل وزارة التربية والتعليم أو السلطة المحلية في المدينة.
احتقان شعبي واستياء متصاعد
الصمت الرسمي قابله سخط شعبي واسع النطاق، عبّرت عنه بيانات صادرة عن مجالس أولياء الأمور ومبادرات مجتمعية وشخصيات أكاديمية، حذرت من أن استمرار الإضراب يمثل "انهيارًا مقصودًا للتعليم" و"جريمة تجهيل للأجيال"، في ظل مؤشرات مقلقة عن تسرب الطلاب، وازدهار ظواهر الدروس الخصوصية التي ترهق الأسر.
يقول المواطن محمد العمري، أحد أولياء الأمور في مديرية المنصورة: "أطفالي لم يذهبوا للمدرسة منذ 3 أشهر، وأنا لا أملك المال لتسجيلهم في مدارس خاصة. ما يحدث جريمة بحق مستقبلهم".
أما الأستاذة أروى أحمد، وهي معلمة في إحدى مدارس عدن، فتوضح أن "المعلمين في عدن لم يحصلوا على أي استجابة رسمية لمطالبهم، بل ووجهوا بالتجاهل، رغم أنهم لا يطالبون بأكثر من حقوقهم المعيشية الأساسية".
صراع صامت أم فوضى إدارية؟
يرى مراقبون أن حالة الجمود هذه قد تكون انعكاسًا لصراعات غير معلنة بين الجهات الإدارية المختلفة في المدينة، وفشل في التنسيق بين وزارة التربية وقيادة السلطة المحلية، مما أدى إلى غياب خطة واضحة لحل الأزمة أو حتى التواصل مع النقابات.
ويؤكد التربوي عبدالرقيب هزاع، أن "عدن تمر بأسوأ مراحلها التعليمية، إذ لا صوت يسمع لمعلميها، ولا نية حقيقية تُبديها الجهات المختصة لمعالجة الأزمة"، مشيرًا إلى أن استمرار الصمت "ينبئ بانهيار عام، ستكون له تبعات خطيرة على المدى القريب".
دعوات للإنقاذ قبل الانهيار الكامل
في ضوء هذا المشهد القاتم، تتزايد الدعوات من داخل المدينة وخارجها لتدخل عاجل من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، بهدف فتح حوار مباشر مع المعلمين ونقاباتهم، وصرف المستحقات اللازمة، واتخاذ خطوات جدية لانتشال التعليم من حافة الانهيار.
كما ناشد عدد من النشطاء منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المهتمة بالتعليم، بضرورة التدخل السريع ودعم المبادرات الرامية لعودة الطلاب إلى فصولهم، قبل أن يصبح الأمر غير قابل للإصلاح.
عدن تنتظر من يُنقذ مستقبل أبنائها
كانت عدن ذات يوم منارة للتعليم والثقافة في اليمن والمنطقة، واليوم تقف عاجزة أمام إضراب تعليمي طويل الأمد، يُهدد جيلاً بأكمله، وبينما تتحرك المحافظات الأخرى بخطى واثقة نحو تطبيع الحياة التعليمية، تبقى عدن في انتظار قرار حاسم يعيد صوت الجرس إلى مدارسها، ويعيد الأمل إلى وجوه طلابها.. فهل سيُسمع نداءها؟ أم أن التعليم في عدن سيظل يدفع ثمن الصمت؟