كتب الصحفي أحمد سعيد كرامة مقالاً بعنوان "النفايات.. عندما تتحول إلى قيادات"، وهو مقال نقدي لاذع يعبّر فيه عن حالة السخط الشعبي في اليمن، خاصة الجنوب، ضد القيادات التي وصفها بـ"النفايات البشرية" التي استحوذت على المشهد السياسي والأمني والعسكري. يسلط كرامة الضوء على الأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب اليمني، منتقداً تلك النخب التي تخاذلت عن أداء دورها الوطني، وتجاهلت هموم الشعب من أجل مصالح شخصية ضيقة.
اليمن بين الأزمات المستمرة ووعود القيادات الفارغة
تعيش اليمن، وخاصة الجنوب، أزمةً مركّبةً تتفاقم يوماً بعد يوم، إذ تُلقي الصراعات السياسية بظلالها على جميع جوانب الحياة، ما تسبب في انهيار شبه كامل في الخدمات وانعدام الأمان وتفشي الفقر والجوع.
وفي مقاله، يستعرض كرامة ما اعتبره خيانة من قبل القيادات السياسية والعسكرية التي ارتبطت مصالحها بالمناصب والنفوذ وجمع الثروات، متناسية دورها الأساسي في تحقيق تطلعات الشعب واستقراره.
قيادات في جنوب اليمن: بين الطموح الشخصي والتفريط بالمسؤولية
ينتقد كرامة في مقاله بشدة النخب الجنوبية، واصفاً إياها بـ"النفايات البشرية"، نظراً لسلوكها الذي غلب عليه "الانتهازية والأنانية".
ويرى أن هذه القيادات اهتمت بالمصالح الشخصية الضيقة على حساب مصلحة الشعب، وعملت على تكوين ثروات طائلة بطرق مشبوهة، مستغلةً مواقعها في جمع المال والنفوذ. ويضيف كرامة أن هذه القيادات لم تقف عند حدود المناصب، بل عمدت إلى "بيع الوطن بأكمله من أجل مصالحها الذاتية"، إذ يتضح من سلوكياتها أن القيم الوطنية لم تكن في حسبانها.
ظاهرة المناطقية: مرض يهدد تماسك المجتمع الجنوبي
يستعرض كرامة ظاهرة المناطقية كواحدة من أبرز الأزمات التي تضرب النسيج الاجتماعي في جنوب اليمن، معتبراً إياها "مرضاً عضالاً ميؤوساً من شفائه". ويرى أن هذا السلوك أدى إلى "تدهور في القيم الأخلاقية وتراجع حاد في الهوية الوطنية"، حيث أصبح الانتماء لمنطقة أو فئة معينة مقدّماً على الانتماء للوطن ككل. وبهذا التحول، فتحت المناطقية الباب لقيادات "انتهازية" كي تتسلق وتستحوذ على السلطة والنفوذ، مستغلةً الولاءات المناطقية لتعزيز مكاسبها.
التحالف العربي: دعم للشرعية أم تعميق للأزمة؟
يناقش كرامة في مقاله دور التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، منتقداً إياه بشدة. وعلى الرغم من إقراره بأن التحالف يحمل "مسؤولية أخلاقية وإنسانية" تجاه الشعب اليمني، إلا أنه يعتبر أن التحالف أسهم بشكل غير مباشر في تعميق الأزمة. ويرى كرامة أن اللوم الرئيسي يقع على "النخب السياسية المتواطئة" التي استغلت دعم التحالف لتنفيذ مصالحها، بينما فشلت في تحسين الأوضاع على أرض الواقع.
5 نوفمبر: من اتفاق الرياض إلى فشل التكتلات السياسية
يشير كرامة إلى 5 نوفمبر 2019 كتاريخ مشؤوم في الذاكرة اليمنية الجنوبية، وهو اليوم الذي تم فيه توقيع اتفاق الرياض الذي جمع بين الأطراف اليمنية بوساطة التحالف، لكنه سرعان ما تحول إلى "مشروع فاشل".
ويضيف أن الاتفاق لم يحقق أي تقدم يُذكر في تحسين حياة المواطنين، بل أدخل اليمن في دوامة جديدة من التكتلات والمشاورات غير المجدية، ما أدى إلى "تشرذم الجنوب وتحوّله إلى أكبر حقل تجارب سياسي"، بحسب وصفه، إذ غابت عنه الرؤية الاستراتيجية الضرورية للنهوض بالبلاد.
بن دغر: عودة مشؤومة وتجربة سياسية عقيمة
وفي 5 نوفمبر 2024، عاد السياسي اليمني أحمد بن دغر إلى عدن على متن طائرة خاصة، ليبدأ تجربة سياسية جديدة أطلق عليها "التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية"، في خطوة وصفها كرامة بأنها "إعادة لذات السيناريو الفاشل".
ويرى كرامة أن تلك العودة تجسّد "مأساة متجددة"، إذ لم تقدم هذه الكيانات السياسية المتجددة أي أمل جديد للشعب، بل إنها واحدة من الأسباب الرئيسية للمأساة المتفاقمة في اليمن.
ويشير كرامة إلى أن هذه النخب السياسية، التي عادت للعمل تحت مظلة "التكتل الوطني"، كانت يوماً ما سبباً رئيسياً في معاناة اليمنيين، حيث لم تجمعهم المصلحة الوطنية يوماً، بل تحالفوا لأجل أهدافهم الفئوية.
كما يرى أن إطلاق "التكتل" يهدف إلى تحرير الشمال، لكنه جاء "متأخراً للغاية"، إذ يفتقر إلى الرؤية الحقيقية والخطط الواقعية، ويزيد من تشرذم الوضع السياسي بين التكتلات والمشاورات والمناورات.
الصراع الداخلي وغياب الاستراتيجية
يشير كرامة إلى أن اليمن يعيش حالة من الصراع الداخلي بين مراكز القوى المختلفة، سواء على مستوى الاستخبارات أو صنع القرار، حيث تتضارب المصالح والرؤى بين القيادات، وتغيب الاستراتيجية الفعّالة التي قد تمكّن اليمن من النهوض.
ويقول إن غياب المعلومات الصحيحة والتحليل الدقيق، إضافة إلى غياب الرؤية الوطنية، يجعل النجاح في الشمال أو الجنوب أمراً بعيد المنال.
مأساة بلا نهاية وأفق سياسي مسدود
يختتم كرامة مقاله بانتقاد لاذع للنخب التي وصفها بـ"النفايات السياسية"، مؤكداً أن هذه النخب أسهمت في تعميق جراح اليمن والمساهمة في أزمة لا يبدو أن لها نهاية قريبة. ويرى أن الحل يكمن في ظهور قيادات وطنية صادقة، تنبذ الفساد والمصالح الضيقة وتعمل لأجل الشعب، ولكن في ظل الواقع الحالي، يبدو هذا الأمل ضئيلاً.