منذ الأيام القليلة الماضية، تعيش العاصمة عدن حالة من الانهيار الشامل في ملف الخدمات الأساسية، وهو ما يمثل مأساة جديدة تضاف إلى معاناة سكان المدينة التي لطالما كانت تعاني من قلة الاستقرار نتيجة التحديات السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.
فبينما كانت العاصمة عدن تأمل في تحسن الوضع الخدمي في ظل حكومة جديدة، إلا أن الواقع اليوم يكشف عن حقيقة مريرة، حيث تغرق المدينة في الظلام وتقترب من الدخول في أزمة مياه خانقة، في وقت يبدو فيه أن الحكومة والمجلس الرئاسي غير مستعدين أو قادرين على اتخاذ خطوات فعّالة لتدارك الوضع.
الظلام يعم العاصمة: أزمة كهرباء لا تنتهي
يُعد انقطاع الكهرباء في عدن واحداً من أكبر التحديات التي تواجه المدينة في الوقت الراهن. فمنذ ثلاثة أيام، دخلت المدينة في ظلام دامس جراء توقف تام لكافة محطات التوليد الكهربائي، في الوقت الذي يعجز فيه الجميع عن تقديم تفسير واضح حول أسباب هذه الأزمة المستمرة.
المصادر المحلية داخل مؤسسة كهرباء عدن أكدت أن الوضع بات يزداد سوءاً مع مرور الأيام، إذ بلغ الانقطاع أكثر من 20 ساعة يومياً، مقابل ساعات قليلة من التشغيل لا تتجاوز الثلاث أو الأربع ساعات في أحسن الأحوال. وفيما تبقى من الوقت، يعتمد التوليد الكهربائي على محطات الطاقة الشمسية، التي لا تعمل إلا خلال ساعات النهار. هذا الوضع قد أدى إلى انعدام الراحة للمواطنين في ظل ارتفاع درجات الحرارة، حيث يعجز العديد منهم عن القيام بمهامهم اليومية من العمل أو الدراسة أو حتى الترفيه.
ويتساءل المواطنون عن السبب وراء عدم تحرك الجهات المعنية لتوفير الوقود الضروري لتشغيل المحطات الكهربائية. ففي السنوات السابقة، كانت الحكومة تعتمد على استيراد الوقود، لكن هذه المرة يبدو أن الحكومة المحلية والمركزية لم تواكب الأزمة بما يتناسب مع خطورة الوضع.
وبحسب بعض المصادر، فإن سبب الأزمة يعود إلى تزايد عجز الحكومة في توفير الوقود اللازم، والذي يبدو أنه يزداد سوءاً يومًا بعد يوم.
تهديد مباشر بمجاعة مائية: توقف ضخ المياه قريبًا
في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من الظلام، يواجهون أيضًا تهديدًا آخر لا يقل خطورة: أزمة المياه. فقد أطلقت مؤسسة المياه والصرف الصحي في عدن تحذيرات شديدة اللهجة بشأن خطورة الوضع القائم، محذرة من نفاد الوقود اللازم لتشغيل محطات المياه في الساعات القادمة.
وأكدت المؤسسة في بيان لها أن المخزون المتاح من الوقود قد ينفد قريبًا، مما سيؤدي إلى توقف تام في ضخ المياه إلى كافة مديريات العاصمة عدن، وهو ما يعني المزيد من المعاناة لسكان المدينة الذين يعتمدون بشكل أساسي على خدمات مؤسسة المياه لتأمين احتياجاتهم اليومية من المياه.
تعتبر المياه من الضروريات الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها، لا سيما في بيئة صحراوية وشديدة الحرارة مثل عدن. لكن استمرار انقطاع الإمدادات المائية سيؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة، خاصة في أحياء المدينة المكتظة بالسكان. وتعود الأزمة إلى نقص الوقود الذي يحول دون تشغيل الآبار والمضخات الخاصة بمؤسسة المياه، حيث باتت المؤسسة عاجزة عن توفير الحد الأدنى من إمدادات المياه للمواطنين.
وفي هذا السياق، ناشدت المؤسسة المحلية للمياه كافة الجهات المعنية والحكومة لتوفير الوقود اللازم لضمان استمرار العمل في محطات المياه. ولفتت إلى أن انقطاع المياه سيضاعف من معاناة المواطنين في عدن، ويشكل تهديدًا حقيقيًا على حياتهم.
الصمت الحكومي: المسؤولية المفقودة
ورغم تزايد حجم المأساة في عدن، لا تزال الحكومة المحلية والمجلس الرئاسي في صمت مطبق، حيث لم يتضح بعد أي خطوات عملية أو حلول عاجلة للحد من الانهيار الحاصل في خدمات الكهرباء والمياه. هذا الصمت دفع العديد من المواطنين إلى إبداء استيائهم العميق من غياب أي استجابة سريعة، وهو ما يراه البعض جزءاً من أزمة أعمق تعيشها البلاد على كافة الأصعدة.
إلى جانب ذلك، تواجه عدن تحديات اقتصادية مدمرة جعلت من توفير الوقود أمرًا صعبًا للغاية، في وقت كان من المتوقع أن تحظى المدينة باهتمام أكبر بعد التحولات السياسية التي شهدتها في الآونة الأخيرة. لكن، على ما يبدو أن الوعود الحكومية لم تكن كافية لتحسين الوضع، بل إن غياب التنسيق بين الحكومة ومؤسسات المدينة يزيد من تعقيد المشهد.
ويعزو بعض المراقبين هذا التباطؤ إلى الوضع السياسي المعقد الذي يمر به البلد، والذي جعل من الأزمات الاقتصادية والخدمية جزءاً من واقع لا يمكن الهروب منه. في حين يرى آخرون أن الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية أسهم في تفاقم الأزمات التي تعيشها عدن والمحافظات الجنوبية بشكل عام.
معاناة المواطنين: القلق من المستقبل
وفيما يواصل السكان في عدن حياتهم وسط ظروف قاسية، يعيشون تحت وطأة الأزمات المستمرة التي تعصف بمنازلهم ومواردهم اليومية. فمع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وتوقف ضخ المياه، باتت الحياة في المدينة أشبه بالكابوس. المواطنون يواجهون تحديات في توفير احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام والدواء، بالإضافة إلى البحث عن وسائل تبريد خلال فترات انقطاع الكهرباء.
وقد أعرب الكثيرون عن قلقهم من المستقبل في ظل استمرار هذا الوضع، مؤكدين أنهم لم يعودوا يشعرون بالأمل في تحسن الأوضاع، خاصة مع غياب الحلول الفعالة من الحكومة.
أزمات متفاقمة وحلول غائبة
في ظل الأزمة الحالية، أصبح واضحًا أن عدن بحاجة إلى حلول عاجلة وتدخلات حكومية فورية. إن انقطاع الكهرباء وتهديدات بتوقف إمدادات المياه يشكلان خطرًا محدقًا على الحياة اليومية للمواطنين. ولكن تبقى الحلول غائبة، وهو ما يجعل الجميع يتساءل عن الدور الذي يجب أن تضطلع به الحكومة المحلية والمركزية لتدارك هذه الأزمات وتحقيق الاستقرار في المدينة.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستظل عدن غارقة في الظلام والمياه العكرة، أم ستشهد تحركًا حكوميًا عاجلاً يضع حدًا لهذه الأزمات التي تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت؟