رغم مرور سنوات على إنشاء صندوق صيانة الطرق والجسور في اليمن، ورغم المليارات التي أُنفقت تحت شعارات "التأهيل" و"الصيانة"، لا تزال محافظة أبين – بكل ما تمثله من أهمية جغرافية واقتصادية – تغرق في طرق متآكلة، وممرات تحوّلت إلى مصائد موت لسكانها، دون أن تحظى بأي التفاتة تليق بحجم معاناتها المزمنة.
في هذا السياق، يبرز السؤال الأكثر حضورًا في أذهان أبناء أبين: لماذا تُهمَّش هذه المحافظة من خارطة مشاريع صندوق صيانة الطرق؟ ولماذا تُصر الجهات المعنية على حرمانها من أبسط حقوقها؟
طرقات متهالكة.. ومدن معزولة
تشهد معظم مديريات محافظة أبين تدهورًا مروعًا في شبكة الطرقات، خاصة الطرق الحيوية التي تربط مدن المحافظة ببعضها، أو تربط أبين بالمحافظات المجاورة، طرق مثل (زنجبار – شقرة – أحور) أو (مودية – الوضيع – لودر) تحوّلت إلى مسالك وعرة لا تصلح حتى للدواب، بعد أن التهمتها الحفر، وتكسّرت بفعل الإهمال والسيول وغياب أعمال الصيانة الدورية.
هذا التدهور لا يمثل فقط مشقة يومية للمواطنين، بل يشكل تهديدًا مباشرًا لحياتهم، ويُعيق حركة التجارة والتنقل، ويزيد من عزلة المجتمعات المحلية، خصوصًا في الريف الجبلي والمناطق الساحلية.
صندوق صيانة الطرق.. أين ذهبت المليارات؟
تأسس صندوق صيانة الطرق بُعيد الوحدة اليمنية، وكان يُفترض أن يُمثل أداة وطنية فعالة للحفاظ على البنية التحتية، إلا أنه اليوم – بحسب كثير من الخبراء والمراقبين – تحوّل إلى وعاء للفساد، تُنهب عبره الأموال تحت عناوين مشاريع وهمية، أو تُنفذ أعمال صيانة شكلية لا تصمد أكثر من موسم مطري واحد.
الملفت أن صندوق صيانة الطرق لا يتردد في ضخ مشاريع في بعض المحافظات بشكل متكرر، بينما تُستبعد أبين من أي خطة حقيقية للتأهيل، وكأنها خارج نطاق الجمهورية أو أنها لا تستحق شبكة طرق لائقة بمواطنيها.
مشاريع "العاصمة عدن".. على حساب المحافظات المنسية
كثير من الناشطين يتهمون إدارة الصندوق بالتمييز والإقصاء، ويرون أن تركيز الجهود على صيانة طرق عدن وبعض المدن المجاورة يجري على حساب المحافظات الأخرى، وعلى رأسها أبين، التي تكتفي بالحسرات أمام إعلانات المشاريع في المناطق الأخرى.
ويتساءل أحد أبناء لودر: "هل على المواطن في أبين أن يركض خلف المسؤولين أو يغلق الطرقات للمطالبة بحق بسيط كالصيانة؟ أين ذهبت مساهماتنا وضرائبنا؟ هل نحن مواطنون من الدرجة الثالثة؟"
أصوات تتعالى.. لكن لا مجيب
في الأعوام الأخيرة، صدرت عدة بيانات من شخصيات اجتماعية ومنظمات محلية تطالب بتحريك ملف صيانة الطرق في أبين، لكن لا شيء تغير، ويبدو أن صوت أبين لا يصل إلى آذان المسؤولين في صندوق الطرق، أو أنه يُكتم عمدًا لصالح شبكات محسوبية وفساد تتقاسم المشاريع كغنائم حرب.
حتى مشاريع إعادة تأهيل الطرق المتضررة من السيول التي اجتاحت أبين أكثر من مرة، لم تشملها أي خطة جدية، ما يعكس حجم التجاهل المتعمد، أو عدم وجود إرادة حقيقية لإنصاف المحافظة.
الطريق إلى الحل.. يبدأ بالعدالة
إن استمرار تهميش محافظة بحجم أبين في ملف حيوي كصيانة الطرق هو جريمة إدارية واقتصادية بحق المواطنين، ولا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون أن تكون هناك بنية تحتية تخدم السكان وتربط مناطقهم وتُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد، لذا فإن أبناء أبين يطالبون اليوم بتحقيق عاجل في آليات عمل صندوق صيانة الطرق، ومراجعة معايير توزيع المشاريع، وضمان اعتماد خطة صيانة متكاملة وعاجلة تشمل كافة الطرق الرئيسية والفرعية في المحافظة، بما فيها الطرق الريفية التي لا تزال خارج الحسابات الرسمية.
أبين ليست محافظة منسية.. بل متعمدة الإقصاء
في اليمن، أصبحت البنية التحتية مرآة حقيقية لواقع التمييز والإقصاء. وأبين، رغم تضحياتها ووزنها السياسي والجغرافي، تدفع الثمن الأكبر لهذا العبث المؤسسي.
وحتى تتحرك الجهات المختصة بجدية، سيبقى صندوق صيانة الطرق – بالنسبة لأبناء أبين – مجرد صندوق للسرقة، لا يرى في المحافظة سوى اسمٍ يُستثنى من قوائم الدعم عامًا بعد عام.