في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، أقدم العميد الركن عبدالله بن حبيش، مدير أمن وادي حضرموت، صباح الأربعاء، على إغلاق مقر وزارة الداخلية في مدينة سيئون، في خطوة تعكس تصاعد الأزمة بينه وبين وزير الداخلية إبراهيم حيدان.
هذا التصرف جاء نتيجة لرفض الوزير صرف المخصصات المالية التي تم تخصيصها لأمن وادي حضرموت، وهي خطوة لم تكن متوقعة في ظل الظروف الأمنية التي تمر بها المنطقة.
بداية الأزمة: تصاعد التوترات بين وزارة الداخلية ومدير أمن الوادي
حسب المصادر المحلية، كان العميد عبدالله بن حبيش قد قرر إغلاق مقر الوزارة بعدما رفضت الأخيرة توفير الدعم المالي الذي يشمل المخصصات الأمنية المقررة، والتي كانت مخصصة لتعزيز الأمن في وادي حضرموت، وفي الصباح الباكر، توجه بن حبيش مع عدة أطقم أمنية إلى مقر الوزارة، ليمنع موظفي الوزارة من دخول المبنى، مما أدى إلى تصاعد التوترات بشكل ملحوظ في المدينة.
وكانت العلاقات بين بن حبيش وقيادات وزارة الداخلية في سيئون قد شهدت العديد من الخلافات والتوترات في الأشهر الأخيرة، خاصة مع الوزير حيدان، الذي توصف علاقته مع قيادات الإخوان المسلمين بأنها قوية.
تشير المصادر إلى أن هذه الخلافات تعود إلى شكاوى بن حبيش المستمرة من تجاهل وزارة الداخلية لمطالب واحتياجات جهاز الأمن في وادي حضرموت، بالإضافة إلى توجيه اتهامات من قبله بتقليص الدعم المالي بهدف إضعافه وإفشاله في أداء مهامه.
دوافع الخلافات: بن حبيش يتهم الوزارة بمحاولة إفشاله
ما جعل الخلافات بين بن حبيش ووزير الداخلية تصل إلى هذه الذروة هو شعور الأول بتجاهل وتهميش مستمر له من قبل الوزارة، التي يسيطر عليها بعض القيادات القريبة من تيار الإخوان.
وفقًا للمصادر، يعتقد بن حبيش أن هذه القيادات تستهدف إضعاف دور أمن وادي حضرموت، بل وتحاول إحداث حالة من الانفلات الأمني في المنطقة لتبرير استبداله بشخصية موالية لهم.
بن حبيش، الذي ينحدر من قبائل وادي حضرموت، يرى أن هذه السياسات تمثل محاولة لتغيير معادلة الأمن في وادي حضرموت، بحيث يتم استبداله بشخصية أكثر توافقًا مع مصالح هذه القيادات.
وقد استند إلى رفض وزارة الداخلية المستمر لصرف المخصصات الأمنية، رغم توجيه هذه المخصصات من قبل الحكومة الشرعية منذ فترة طويلة، باعتبارها جزءًا من استراتيجيات تمويل وتعزيز الأمن في المنطقة.
التداعيات الأمنية: توتر في المدينة ومخاوف من تدخل القوات العسكرية
الخطوة التي أقدم عليها بن حبيش لا تعتبر مجرد تعبير عن الاحتجاج، بل أيضًا تمثل تصعيدًا لأزمة أوسع في وادي حضرموت، فالتوتر الذي نشب إثر إغلاق مقر وزارة الداخلية أدى إلى تصاعد المخاوف من وقوع اشتباكات بين قوات الأمن المحلية التابعة للعميد بن حبيش، وبين قوات المنطقة العسكرية الأولى التي تعتبر موالية لجماعة الإخوان المسلمين، هناك قلق شديد من أن هذه القوات قد تتدخل لدعم وزير الداخلية ضد إدارة أمن وادي حضرموت، مما قد يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.
يشير العديد من المراقبين المحليين إلى أن هذه الأوضاع قد تؤدي إلى فوضى أمنية في وادي حضرموت، خاصة في ظل تصاعد الانقسام السياسي والعسكري بين القوى المؤيدة للشرعية وبين القوى المناوئة لها.
وقد اعتبر البعض أن هذه التصعيدات تمثل تحديًا كبيرًا للجهود الأمنية في المنطقة، التي عانت في السابق من انفلاتات أمنية وأعمال عنف مسلحة على يد الجماعات المتشددة.
خلفيات تاريخية: وزارة الداخلية بين سيئون وعدن
تجدر الإشارة إلى أن هذا التصعيد الأمني له جذور تاريخية ممتدة منذ عام 2019، عندما قرر الوزير الأسبق أحمد الميسري إنشاء مقر بديل لوزارة الداخلية في سيئون، بعد طرد القوات الحكومية من العاصمة عدن على يد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
وبالرغم من توقيع "اتفاق الرياض" في أواخر عام 2019، الذي نص على عودة كافة مؤسسات الحكومة إلى عدن، إلا أن وزارة الداخلية بقيت تعمل من سيئون تحت إشراف الوكيل الأول اللواء الركن محمد سالم بن عبود الشريف، الذي يُعد من قيادات جماعة الإخوان.
هذه الأوضاع، التي بدت في البداية كحاجة مؤقتة بسبب الظروف الأمنية الاستثنائية، تحولت إلى واقع مستمر، مما عمق من الانقسام بين العاصمة المؤقتة عدن ومناطق وادي حضرموت، وقد أدى هذا الوضع إلى تضارب المصالح بين العديد من القيادات السياسية والعسكرية، والتي ترى أن استمرار وجود وزارة الداخلية في سيئون يساهم في تأجيج الصراع بين الفرقاء السياسيين.
الحلول الممكنة: دعوات إلى الحوار وتفعيل اتفاق الرياض
في ظل التوترات الحالية، تبقى الحلول السياسية والتفاوضية هي الأمل الأبرز لتفادي الانزلاق نحو مزيد من العنف، فقد دعت العديد من الشخصيات الاجتماعية والقبلية في حضرموت إلى ضرورة العودة إلى الحوار بين جميع الأطراف المعنية، وخصوصًا بين إدارة أمن وادي حضرموت ووزارة الداخلية، لتجاوز الخلافات وإيجاد حلول عملية تُعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويدعو المراقبون إلى ضرورة تطبيق اتفاق الرياض بشكل كامل وفعال، بحيث يتم تحديد آليات واضحة لإدارة المخصصات الأمنية وتوزيعها بشكل عادل بين الأقاليم.
كما يُشدد على ضرورة إعادة هيكلة وزارة الداخلية بحيث تُراعى فيها مصالح جميع القوى الفاعلة في الساحة اليمنية، مع ضمان تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تشهدها البلاد.
الوضع في وادي حضرموت أمام مفترق طرق
إن تطور الخلافات بين العميد بن حبيش ووزير الداخلية، واحتدام الصراع السياسي والعسكري في وادي حضرموت، يعكس حقيقة مريرة حول الوضع الأمني والسياسي في اليمن، فبينما تسعى كل جهة إلى الحفاظ على نفوذها، تبقى مصلحة الوطن والمواطن اليمني في خطر.
وفي ظل غياب التنسيق والتعاون بين القوى الأمنية والسياسية، تبقى الآمال معقودة على الحكمة والتسوية السياسية لحل هذه الأزمات وتجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى نتائج كارثية على أمن واستقرار المنطقة.