عدن، المدينة المنهكة بالأزمات، لا تقتل الحُميات فقط، بل يقتل معها التضارب الرسمي والإنكار المؤسسي، ففي الوقت الذي يخرج فيه مدير مكتب الصحة لينفي وجود أي وباء، يطل مدير الترصد الوبائي بالأرقام: آلاف الإصابات، عشرات الحالات المؤكدة، و12 وفاة—كأنما يتحدثان عن مدينتين مختلفتين.
نفي رسمي يصطدم بأرقام صادمة
في بيان رسمي، نفى مدير مكتب الصحة العامة والسكان بعدن، د. أحمد مثنى البيشي، وجود أي بلاغات عن انتشار أوبئة أو حميات خطيرة.
واعتبر أن المخاوف الإعلامية "حالة من الهلع غير المبني على بيانات علمية"، مؤكدًا أن تقارير غرفة العمليات حتى 18 أبريل لا تشير إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا أو الملاريا خارج النطاق المألوف.
ترصد وبائي: الوضع مقلق وهناك وفيات
بالتزامن مع هذا النفي، جاء تصريح مدير إدارة الترصد الوبائي، د. مجدي الداعري، ليقلب الطاولة، إذ كشف أن عدن سجلت منذ بداية العام أكثر من 50 ألف حالة اشتباه بالملاريا، وألف حالة مؤكدة بحمى الضنك، و12 حالة وفاة، منها خمس حالات في مديرية البريقة وحدها، وأوضح أن العوامل المؤدية لهذا الوضع تشمل الكثافة السكانية، وتدهور الخدمات، والعشوائيات المنتشرة في العاصمة.
مكتب صحي بلا تنسيق.. ومواطن في مهبّ التخبط
هذا التناقض الحاد بين المسؤولَين يعكس ارتباكًا إداريًا صارخًا، ويبرز ضعف التنسيق داخل أهم مؤسسة صحية في المدينة، فبينما ينفي أحدهم وجود وباء، يُقدم الآخر أرقامًا رسمية ومخيفة. النتيجة: حالة من الغموض والذعر بين المواطنين، وزيادة الشك في قدرة السلطة الصحية على التعامل مع أي طارئ.
هل ننتظر الكارثة؟
اعتماد مكتب الصحة -وفق تصريح البيشي- على البلاغات فقط، يكشف محدودية نظام الرصد، في وقت لا يراجع فيه كثير من المواطنين المرافق الصحية إما بسبب الفقر أو غياب الثقة، ومع تزايد الإصابات والوفيات، يصبح من غير المقبول الاكتفاء بالدعوات إلى "الوعي" دون خطة استجابة طارئة وشفافة.
عدن لا تحتاج تصريحات متضاربة.. بل تحتاج إلى خطة إنقاذ
ما بين النفي والاعتراف، الحميات تفتك بسكان المدينة، والمؤسسة الصحية تبدو وكأنها تسير بعين واحدة، إذا لم يتم الاعتراف بالحقيقة ومعالجتها بجدية، فقد تتحول عدن إلى بؤرة كارثية تُضاف إلى سجل الأزمات المنسية.