في لحظة مفصلية تتقاطع فيها التهديدات والتحديات، تقف محافظة حضرموت على جبهة مواجهة مفتوحة ضد محاولات ممنهجة لزعزعة استقرارها، مدفوعة بأجندات داخلية وخارجية تستثمر في فوضى مدروسة ومسارات تجنيد مريبة خارجة عن بنية الدولة الشرعية.
ورغم التماسك النسبي الذي تتمتع به المحافظة مقارنة ببقية مناطق اليمن، إلا أن مؤشرات التحشيد والتجنيد العشوائي، وظهور نقاط عسكرية غير نظامية، تثير قلقًا متزايدًا من انزلاق محتمل نحو الفوضى، وهو ما دفع اللجنة الأمنية بالمحافظة إلى إعلان موقف حازم لا يقبل التهاون أو التأويل.
اجتماع استثنائي ولغة أمنية صارمة
ترأس محافظ حضرموت مبخوت مبارك بن ماضي اجتماعًا أمنيًا رفيعًا، ناقش خلاله أبرز التحديات الأمنية التي تواجه المحافظة، وعلى رأسها التجنيد العشوائي وتشكيل كيانات مسلحة موازية تعمل خارج سلطة وزارتي الدفاع والداخلية. وقد خرج الاجتماع بجملة من القرارات الحاسمة، أبرزها ملاحقة وضبط الجهات التي تنشئ تشكيلات أمنية غير معترف بها، ومحاسبة المتورطين في إنشاء نقاط جباية أو حملات تجنيد دون غطاء قانوني.
وأكدت اللجنة أن أي تجاوزات من هذا النوع ستُواجَه بإجراءات رادعة، تشمل الإيقاف والإحالة إلى النيابة العسكرية، في رسالة واضحة مفادها أن هيبة الدولة فوق الجميع.
حملة توعوية.. وردع ناعم
وفي خطوة لاحتواء الموقف من جذوره، دشنت اللجنة الأمنية حملة مجتمعية تحت شعار: "الجندية وطن.. لا تُباع"، تهدف إلى رفع مستوى الوعي في أوساط الشباب وتحذيرهم من الانخراط في تشكيلات مشبوهة قد تجر المحافظة إلى أتون صراعات لا طائل منها، كما أعلنت تكثيف الدوريات ونقاط التفتيش لردع التجاوزات، وتوثيق أي أنشطة خارجة عن القانون.
نقاط جباية وابتزاز.. الدولة ترد
تؤكد تقارير أمنية أن بعض النقاط العسكرية العشوائية أصبحت تمارس الابتزاز المالي للمواطنين تحت لافتة "الجباية الأمنية"، وهي ظاهرة تمس صميم القانون وتمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية، وقد أكدت اللجنة أن هذه الممارسات لا تمثل مؤسسات الدولة الرسمية، بل تُدار من قبل مجموعات منفلتة ترتبط أحيانًا بجماعات إرهابية تسعى لاختراق النسيج الأمني في حضرموت.
رد رسمي على اتهامات "الجامع"
وفي سياق متصل، ردت اللجنة الأمنية بحزم على بيان منسوب لما يُعرف بـ"مؤتمر حضرموت الجامع"، والذي اتهم اللجنة بالتواطؤ مع جهات مسلحة من خارج المحافظة.
وأوضحت اللجنة أن تلك الاتهامات لا تستند إلى أي وقائع حقيقية، وأن كل تحركاتها تتم بتنسيق مباشر مع السلطات الشرعية وقيادة التحالف العربي.
كما تساءلت اللجنة عن مشروعية تمثيل المؤتمر للرأي الحضرمي العام، مطالبة بالكشف عن الآلية التي تم بموجبها إصدار البيان، وهل نال موافقة رئاسة المؤتمر بكاملها، التي تتكون من عشرين عضوًا منتخبًا؟
المجتمع الحضرمي.. في قلب المعركة
دعت اللجنة الأمنية النخب المجتمعية من أكاديميين ووجهاء ومثقفين ومكونات مدنية إلى توحيد الصفوف وعدم الانجرار خلف شعارات مضللة تسعى لإرباك المشهد الأمني، مؤكدة أن المرحلة تستدعي وعيًا جمعيًا يعزز من صمود المؤسسات الرسمية ويعري محاولات زرع الفتنة.
كما شددت على أن حماية حضرموت من الانزلاق إلى مربع الفوضى مسؤولية مشتركة، وضرورة وطنية تتطلب تظافر كل الجهود، بعيدًا عن الاستقطابات الحزبية أو المناطقية.
دعم إقليمي وثقة داخلية
وجّهت اللجنة الأمنية شكرها إلى قيادة المجلس الرئاسي وإلى دول التحالف العربي، خصوصًا السعودية والإمارات، على دعمهم المستمر للقطاع الأمني في حضرموت، مؤكدة أن المحافظة ماضية نحو المزيد من التماسك، وأن الأجهزة الرسمية تمارس مهامها بكل شفافية وانضباط.
حضرموت.. عنوان الاستقرار في زمن الاضطراب
في وقت تتآكل فيه مؤسسات الدولة في عدد من المحافظات، تظل حضرموت مثالًا نادرًا على قدرة العمل المؤسسي واليقظة الأمنية على صد محاولات التخريب والتمرد. ولعل أبرز ما يميز المشهد هناك، هو اتساع رقعة الدعم الشعبي للجهود الأمنية، ما يجعل من حضرموت نموذجًا قابلًا للتكرار في محافظات أخرى.
ويبقى الرهان اليوم على استمرارية هذه السياسات الصارمة، وتوسيع مظلة المشاركة المجتمعية، وتعزيز الثقة بين المواطن والسلطة، في سبيل ترسيخ حالة من السلام المستدام الذي يتجاوز الشعارات إلى واقع ملموس.