مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تعيش مدينة عدن والمحافظات الجنوبية في اليمن أزمة اقتصادية خانقة تُلقي بظلالها على حياة المواطنين، حيث يواجه الأهالي صعوبات متزايدة في تأمين احتياجاتهم الأساسية بسبب الانهيار الحاد للعملة المحلية والارتفاع الجنوني للأسعار، في وقت كان يُفترض أن يكون موسمًا للازدهار التجاري، يخيّم الركود والانكماش على الأسواق، ليُعيد رسم المشهد الاقتصادي والاجتماعي في المدينة.
تراجع القدرة الشرائية وانهيار الأسواق
في جولة داخل الأسواق التجارية بمدينة عدن، يظهر المشهد كئيبًا ومختلفًا تمامًا عما كان عليه في السنوات السابقة، يؤكد التجار أن الإقبال على الشراء تراجع بشكل غير مسبوق، حيث بات المواطنون يقتصرون على شراء الضروريات فقط.
يقول محمد سعيد، وهو مالك أحد متاجر بيع المواد الغذائية في منطقة كريتر:"في مثل هذا الوقت من كل عام، كانت الأسواق مزدحمة، وكنا بالكاد نستطيع تلبية طلبات الزبائن، أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا، الناس يشترون بالكاد ما يسد حاجتهم اليومية، لم نعد نرى عربات التسوق الممتلئة كما كنا نراها سابقًا."
تراجع قيمة الريال اليمني أمام الدولار، حيث تجاوز سعر الصرف 2350 ريال مقابل الدولار الواحد، أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية مثل الأرز، والدقيق، والزيت، والسكر. هذا التدهور أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، مما أدى إلى ركود اقتصادي غير مسبوق يهدد آلاف التجار بالإفلاس.
رمضان بلا استعدادات.. العائلات تحت ضغط الأزمة
كان شهر رمضان في السابق مناسبة يترقبها الجميع بأجواء من الفرح والاستعدادات المكثفة، إلا أن هذا العام يبدو مختلفًا تمامًا، العديد من الأسر باتت مضطرة لتقليص مشترياتها الرمضانية بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع الدخل.
تقول أم أحمد، وهي أم لخمسة أطفال تسكن في حي الشيخ عثمان:"كنا نستعد لرمضان بشراء التمور، العصائر، والمكسرات، لكن اليوم أصبحت هذه الأشياء من الكماليات، الأولوية أصبحت فقط للمواد الأساسية مثل الدقيق والزيت."
في المقابل، يعاني باعة التمور والحلويات الرمضانية من تراجع حاد في المبيعات، حيث أشار أحدهم إلى أن الإقبال على شراء التمور انخفض بنسبة 60% مقارنة بالأعوام السابقة، مما يجبر بعض التجار على تقليل كميات البضائع المستوردة أو بيعها بأسعار مخفضة لتجنب الخسائر الكبيرة.
الركود التجاري يهدد الاقتصاد المحلي
الركود الذي تشهده الأسواق في عدن لم يؤثر فقط على المواطنين، بل طال أيضًا التجار وأصحاب المحال التجارية، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين ارتفاع الأسعار وضعف الطلب.
يقول أكرم عبد الله، صاحب متجر للملابس الجاهزة في مديرية المنصورة:"لم نعد نستطيع بيع البضائع بسهولة كما كان الحال في السنوات السابقة، المواطن بالكاد يستطيع شراء الغذاء، فكيف سيفكر في شراء ملابس جديدة؟ العيد على الأبواب، ومع ذلك فإن الأسواق فارغة."
العديد من المحال التجارية مهددة بالإغلاق بسبب عدم قدرتها على دفع الإيجارات المتزايدة، في حين يعاني أصحاب المحلات الصغيرة من تراكم الديون نتيجة انخفاض المبيعات.
الجهود الحكومية.. غائبة أم عاجزة؟
في ظل هذه الأزمة، يتساءل المواطنون عن دور الحكومة والجهات المعنية في إيجاد حلول اقتصادية حقيقية، حتى الآن، لم تُتخذ أي إجراءات جادة للحد من انهيار العملة أو ضبط أسعار السلع، مما جعل المواطنين يشعرون بأنهم يواجهون الأزمة وحدهم دون أي دعم أو حماية.
يؤكد المحلل الاقتصادي عبدالرحمن الوالي أن استمرار غياب الحلول الفعالة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة بشكل خطير، حيث ستتزايد معدلات الفقر، وقد تتوسع دائرة الأزمات الاجتماعية، ما لم يتم تدخل عاجل من الحكومة والجهات الدولية.
الأمل في حلول عاجلة قبل تفاقم المعاناة
مع اقتراب شهر رمضان، تعيش عدن حالة من الترقب والقلق، حيث يتمنى المواطنون أن تشهد الأيام القادمة تحركات جدية لإنقاذ الاقتصاد المحلي.
يرى البعض أن الحلول قد تكمن في دعم المواد الغذائية الأساسية، واستقرار أسعار الصرف، وتفعيل الرقابة على الأسواق.
وفي ظل هذه الظروف، تبقى معاناة المواطنين هي العنوان الأبرز، حيث تحول موسم الخير والبركة إلى موسم للقلق والمعاناة الاقتصادية.. ومع استمرار الأزمة، يظل التساؤل قائماً: هل يتحرك المسؤولون لإنقاذ الوضع قبل أن يصبح أكثر تعقيدًا؟