تشهد العاصمة عدن أزمة كهربائية خانقة، تسببت في شلل تام للحياة اليومية وازدادت وطأتها مع إعلان محطة الرئيس، التي تعد المصدر الأساسي للطاقة في المدينة، عن خروجها من الخدمة اليوم الأحد الساعة السابعة مساءً.
يأتي ذلك نتيجة لانخفاض كميات النفط الخام القادمة من مأرب من 3000 برميل إلى 2000 برميل فقط، مما ينذر بانقطاع التيار الكهربائي بالكامل، نظرًا لتوقف بقية المحطات العاملة بالديزل والمازوت.
تداعيات الأزمة ومعاناة المواطنين
الأزمة الكهربائية المتفاقمة تلقي بظلالها الثقيلة على سكان عدن، حيث تعاني المدينة من ارتفاع درجات الحرارة، وتوقف العديد من المرافق الحيوية والخدمات الأساسية، إذ تؤثر الانقطاعات المستمرة على المستشفيات، والمحال التجارية، وحتى إمدادات المياه، مما يفاقم معاناة المواطنين الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الصراعات السياسية وسندان الفشل الحكومي في توفير الخدمات الأساسية.
تسييس الأزمة: مأرب تُنقذ وعدن تُعاقب؟
شهدت الساعات الماضية جدلًا واسعًا حول كيفية التعامل مع الأزمة، حيث تحولت القضية من أزمة خدمات إلى ورقة صراع سياسي، إذ أشاد البعض بتوجيهات عضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ مأرب، سلطان العرادة، الذي أمر بإرسال كميات من النفط الخام لمحطة التوليد في عدن، بينما انتقد آخرون رفض حلف قبائل حضرموت السماح بخروج النفط من منشأة الضبة لدعم الكهرباء في عدن.
المفارقة هنا أن مأرب، التي تعد خاضعة لسلطة حزب الإصلاح، لا تزال تتعامل ككيان مستقل عن الحكومة، حيث تصدر قراراتها بشأن توزيع الموارد النفطية دون الرجوع إلى القيادة المركزية في عدن، وفي المقابل، تعاني حضرموت من ضغوط سياسية واقتصادية تدفعها للمطالبة بـ"الحكم الذاتي"، الأمر الذي يفاقم التعقيدات داخل مجلس القيادة الرئاسي.
الكهرباء في عدن: أزمة متكررة أم ورقة ضغط؟
منذ سنوات، تعيش عدن أزمة كهربائية متواصلة، حيث تعاني المدينة من ضعف الإمدادات وعدم وجود استراتيجيات مستدامة لحل المشكلة، وعلى الرغم من الحديث المستمر عن دعم قطاع الطاقة، إلا أن الحلول تبقى مؤقتة ومرتبطة بحسابات سياسية، إذ لم يتم تنفيذ مشاريع استراتيجية لزيادة الإنتاج المحلي للطاقة أو تحسين شبكات التوزيع.
أزمة الكهرباء كشفت أيضًا عن استمرار التفكك داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث لم يتمكن المجلس، رغم مرور نحو ثلاث سنوات على تشكيله، من تحقيق أي إنجاز يذكر في إدارة الموارد الوطنية أو توحيد القرار السياسي والاقتصادي بين المحافظات المحررة.
مأرب.. نموذج الحكم الذاتي غير المعلن؟
تبرز أزمة الكهرباء في عدن واقعًا أكثر تعقيدًا يتعلق بهيكل السلطة في اليمن، حيث تتعامل مأرب، التي تسيطر على جزء كبير من الموارد النفطية، كسلطة مستقلة تدير مواردها دون العودة إلى الحكومة المركزية، بل وتطالب مأرب الحكومة بدفع 52 مليون دولار مقابل كميات النفط التي أرسلتها إلى كهرباء عدن خلال السنوات الماضية، وهو ما يكشف تناقضات الخطاب الذي طالما روجت له سلطة مأرب بشأن تقديم الدعم المجاني لعدن.
في المقابل، تطالب حضرموت بوضع مماثل لمأرب، حيث يسعى حلف قبائل حضرموت إلى فرض حكم ذاتي يسمح لأبناء المحافظة بالتحكم في مواردهم، بدعوى أن النفط المخزن في ميناء الضبة، والذي يقدر بأكثر من 3 ملايين برميل، ينبغي أن يستخدم لتحسين الخدمات داخل المحافظة، بدلًا من تصديره لصالح الحكومة المركزية.
هل الأزمة مفتعلة؟
يتساءل كثيرون في عدن عما إذا كانت أزمة الكهرباء مجرد نتيجة لعجز حكومي، أم أنها أداة تُستخدم للضغط السياسي وإعادة ترتيب خارطة النفوذ داخل اليمن، فبينما تبقى مأرب بمنأى عن الأزمات الاقتصادية والخدمية بسبب استقلالها المالي والإداري، تظل عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى رهينةً لقرارات غير مستقرة، تجعل من الخدمات الأساسية وسيلة للابتزاز السياسي.
في ظل غياب حلول جذرية، تبقى أزمة الكهرباء في عدن عنوانًا بارزًا لحالة الانقسام السياسي، وصراع الموارد، وغياب الرؤية الوطنية لإدارة شؤون البلاد، وبينما يعاني المواطن العادي من تداعيات هذه الأزمات، يظل السؤال الأهم: إلى متى ستظل الخدمات الأساسية رهينة لحسابات السياسة؟
