تمر العاصمة عدن والمحافظات المجاورة بأسوأ أزمة اقتصادية وخدمية منذ سنوات، مع انهيار غير مسبوق في العملة المحلية، وانقطاع شامل للكهرباء، وشح في الوقود والغاز المنزلي.
هذه الأوضاع المتردية التي يعيشها المواطنون تعكس حالة الفشل الحكومي وعدم قدرة القيادة الشرعية على مواجهة التحديات التي تعصف بالمناطق المحررة.
لليوم الثالث على التوالي، تغرق عدن في ظلام دامس، حيث توقفت محطات التوليد تمامًا بسبب نفاد الوقود، وهو مشهد لم تشهده المدينة حتى خلال حرب 2015، عندما اجتاحتها مليشيا الحوثي، بينما تبدو الأوضاع أكثر سوءًا في أبين ولحج، حيث تعاني هذه المحافظات من انقطاع الكهرباء بشكل كلي منذ أسابيع، أما شبوة، حضرموت، المهرة، فتعاني من تدهور متواصل في الخدمات الأساسية، فيما لا تزال تعز خارج إطار الكهرباء الحكومية منذ 2015، باستثناء مأرب التي تعتمد على محطتها الغازية.
الريال في سقوط حر.. والحكومة غائبة عن المشهد
إلى جانب انهيار الخدمات، شهد الريال اليمني انخفاضًا قياسيًا، حيث تجاوز سعر الدولار 2300 ريال، فيما وصل الريال السعودي إلى 600 ريال، ما يهدد بمضاعفة معاناة المواطنين وارتفاع الأسعار في ظل غياب أي تدخل حكومي حقيقي.
ورغم هذه الكارثة الاقتصادية، لم تصدر قيادة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة أي إجراءات عملية لوقف التدهور، باستثناء بيانات وتصريحات جوفاء تتحدث عن "إجراءات لمواجهة الأزمة"، دون أي خطوات ملموسة على أرض الواقع.
رئيس الحكومة خارج البلاد.. ووعود بلا تنفيذ
في خضم هذه الأزمة، ظهر رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك عبر الإعلام الرسمي، متحدثًا عن "متابعة آليات تسريع الحلول الإسعافية لتوفير الوقود"، رغم أنه متواجد خارج البلاد، حيث أجرى اتصالات مكثفة مع عدد من المسؤولين، بينهم محافظ البنك المركزي، ووزير المالية، ووزير الكهرباء، ومحافظ عدن.
تصريحاته التي أكد فيها أن "انقطاع الكهرباء أمر غير مقبول ويتطلب محاسبة المسؤولين" أثارت استغراب الكثيرين، خصوصًا أن الحكومة نفسها هي المسؤولة عن الأزمة، بسبب فشلها في توفير الوقود لمحطات الكهرباء، وعجزها عن إدارة الموارد النفطية المحلية.
العليمي.. ووعود العودة دون تنفيذ
على ذات النهج، عقد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي اجتماعًا مع عدد من المسؤولين عبر تقنية الاتصال المرئي من خارج البلاد، لمناقشة الوضع الاقتصادي والخدمي.
الاجتماع انتهى بوعود تقليدية عن "تنفيذ قرارات بعودة المؤسسات للعمل من الداخل"، رغم أن العليمي نفسه وأغلب أعضاء المجلس لا يزالون خارج البلاد منذ أشهر طويلة.
الصورة التي نشرتها وكالة "سبأ" للاجتماع بدت ساخرة من تصريحات العليمي، إذ أظهرت أن غالبية المسؤولين المشاركين متواجدون في دول مختلفة، فيما لم يحضر من الداخل سوى وزير النفط ومدير كهرباء عدن.
بن دغر.. من شريك في الأزمة إلى ناقد للحكومة
وفي مشهد أكثر ابتذالًا وسخرية، شن أحمد عبيد بن دغر، رئيس مجلس الشورى ورئيس الحكومة الأسبق، هجومًا لاذعًا على العليمي وبن مبارك، محملًا إياهما مسؤولية الانهيار الاقتصادي والخدمي.
البيان الذي أصدره التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، والذي يقوده بن دغر، انتقد ضعف الشرعية وفشلها في توفير الخدمات الأساسية.
غير أن هذا الهجوم لم يكن مقنعًا للكثيرين، إذ أن بن دغر نفسه لعب دورًا كارثيًا خلال فترة رئاسته للحكومة (2016-2018)، حيث أقر طباعة العملة بدون غطاء نقدي، ما أدى إلى انهيار الريال اليمني، وهو ما وصفه محافظ البنك المركزي الحالي بـ"نكسة اقتصادية".
حكومة تائهة بين التصريحات وتبادل الاتهامات
الأوضاع الاقتصادية والخدمية المتدهورة لم تدفع رموز الشرعية إلى تحمل المسؤولية، بل انشغلوا بإلقاء اللوم على بعضهم البعض، محاولين تسجيل نقاط سياسية في معركة بيانات وتصريحات إعلامية، بينما يواجه المواطنون في عدن وبقية المحافظات المحررة معاناة متزايدة دون أي أفق لحل قريب.
هذا المشهد يعكس حقيقة قيادة سياسية عاجزة عن تقديم أي حلول، لا تجيد سوى الرقص على جراح المواطنين، في وقت يتطلب فيه الوضع تحركات جادة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.