عدن، المدينة التي كانت تضج بالحياة، تحولت اليوم إلى بقعة تعاني من أزمات خانقة، غارقة في الظلام، مثقلة بالمعاناة اليومية، تحاصرها الأزمات الاقتصادية والخدمية والسياسية.. لم يعد الحديث عن معاناة سكانها ضربًا من المبالغة، بل هو واقع يعيشه الأهالي مع كل لحظة تمر، وسط انقطاع الكهرباء، شح المياه، أزمة الغاز المنزلي، وانهيار العملة، في ظل غياب أي حلول من الجهات المسؤولة.
أزمة الكهرباء.. عنوان الانهيار
العاصمة عدن تشهد حاليًا حدثًا غير مسبوق منذ عقود، حيث تغرق المدينة في ظلام دامس بعد نفاد الوقود من محطة الرئيس، وهي المحطة الأساسية لتوليد الطاقة، ولم يكن هذا الانقطاع الشامل للكهرباء مجرد أزمة خدمية عابرة، بل كشف عن حجم التحديات التي تواجهها المدينة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وعجز الحكومة عن إيجاد حلول جذرية.
يرى مراقبون أن هذه الأزمة جاءت في سياق تجاذبات سياسية تهدف إلى الضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على المدينة، بهدف فرض مشاريع سياسية لا تتوافق مع تطلعات الشارع الجنوبي، وأصبح السكان هم الضحية الأولى لهذا الصراع، حيث يدفعون يوميًا فاتورة هذه الأزمات من مستوى معيشتهم، وصحتهم، واستقرارهم النفسي.
غضب في الشارع.. والمظاهرات تشتعل
مع تزايد الأزمات المعيشية وانعدام الخدمات الأساسية، خرج سكان عدن في مظاهرات حاشدة، معبرين عن غضبهم من الأوضاع المتردية، وشهدت الشوارع احتجاجات غاضبة ضد استمرار انهيار الخدمات، خصوصًا بعد وصول أزمة الكهرباء والمياه إلى أسوأ مراحلها.
الأجهزة الأمنية، من جهتها، أكدت التزامها بحماية هذه الاحتجاجات السلمية، محذرة في الوقت ذاته من أي أعمال شغب قد تؤدي إلى فوضى تهدد أمن المدينة واستقرارها، إلا أن المواطنين يرون أن هذه التحذيرات ليست كافية، فالمشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في الانفلات الأمني، بل في عجز الحكومة عن إدارة شؤون المدينة، وتركها تواجه مصيرًا مجهولًا وسط أزمات متراكمة.
صمت حكومي يثير التساؤلات
ورغم تفاقم الوضع، لا يزال مجلس القيادة الرئاسي والحكومة في حالة صمت غير مبرر، غياب الحلول، والتجاهل الرسمي لمعاناة المواطنين، يزيد من حالة الاحتقان الشعبي، ويفتح الباب أمام احتمالات خطيرة، قد تؤدي إلى تصعيد جديد في الشارع.
يتساءل الكثيرون: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وهل ستبقى عدن حبيسة هذه الأزمات دون أي بوادر إنقاذ؟ أم أن هناك تحركات خفية قد تخرج المدينة من ظلامها الدامس نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية؟
حتى اللحظة، تبقى الإجابة ضبابية، فيما تستمر عدن في معركتها مع الظلام والأزمات، في انتظار من يعيد لها بعضًا من نور الحياة.