مدينة الضالع، التي تميزت بشجاعة أبنائها وصمودهم طوال سنوات الاحتلال والحروب، وتُعد أول مدينة في الجنوب تُحرر من الاحتلال الفارسي، تحمل في طياتها قصة معاناة طويلة تتجاوز كل التصورات، هذه المدينة التي قدمت آلاف الشهداء على مذبح الحرية، وأثبتت في العديد من المواقف أنها الحصن المنيع للجنوب وصمام الأمان له، تعيش اليوم أزمة فساد داخلي غير مسبوقة، ما يهدد مستقبَلها وأحلام أبنائها في العيش بكرامة، ورغم الجهود العظيمة التي بذلها أهلها في سبيل الحرية، إلا أنهم يجدون أنفسهم اليوم فريسة للفساد الحكومي الذي ينخر في كل جوانب حياتهم.
في خطوة جريئة، نشر ناشطون وصحفيون وثائق رسمية تكشف عمليات فساد ممنهجة داخل المستشفيات الحكومية في الضالع، وهي الوثائق التي تتعلق بسرقة معدات طبية وحرمان موظفي الصحة من رواتبهم، في وقت كان يُفترض أن تُبذل فيه كل الجهود من أجل تحسين الوضع الصحي في المدينة التي تعاني من ظروف صعبة.
هذه الوثائق أظهرت تورط عدد من المسؤولين في تلاعبات مالية وإدارية واضحة، لتضاف إلى سلسلة من الفضائح التي تعمق جراح أبناء الضالع.
فضيحة مستشفى النصر: سرقة المعدات الطبية
أحد الملفات الأكثر إثارة للدهشة يتعلق بمستشفى النصر الحكومي، الذي يُعتبر من أبرز المؤسسات الصحية في المنطقة، لكن ما يكشفه الناشطون اليوم هو أن هذا المستشفى، الذي يُفترض أن يكون مركزًا لعلاج المرضى وإنقاذ الأرواح، قد تحول إلى ساحة لنهب الأموال والمعدات الطبية.
وثائق مسربة تؤكد أن مدير المستشفى قام ببيع معدات طبية ضخمة كانت مخصصة لعلاج المرضى، وبدلاً من استخدامها لتحسين الخدمات الصحية، تم بيعها في السوق السوداء، ليأخذ هو نصيبه من العائدات على حساب حياة الأبرياء.
ورغم أن الوثائق تحتوي على تفاصيل دقيقة حول عمليات السطو على المعدات، فقد استمر المحافظ، الذي يُفترض أن يكون حاميًا للمصالح العامة، في تجاهل هذا الأمر بشكل مخيف، ما يثير العديد من الأسئلة حول ما إذا كان هو الآخر جزءًا من هذه الدائرة الفاسدة.
المحجر الصحي: سرقة رواتب الموظفين
لا تتوقف الفضائح عند هذا الحد، بل تتكشف فضيحة أخرى تتعلق بمستشفى "المحجر الصحي"، الذي يُعتبر من الخطوط الأمامية في مكافحة الأوبئة، ففي مستشفى المحجر، كشف الناشطون أن المدير قام بسرقة رواتب الموظفين بشكل منتظم، في وقت كان الموظفون يعملون فيه بجهد متواصل لمحاربة الأمراض وحماية حياة الناس.
ورغم أن هؤلاء الموظفين يعملون في ظروف صعبة للغاية، لا يحصلون على رواتبهم المستحقة، بل يتم استغلالهم من قبل المدير الذي لا يتردد في الاستيلاء على مستحقاتهم.
إن هذه الفضائح تعكس حالة من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وهي ليست مجرد سرقة أموال، بل جريمة حقيقية ضد حياة الناس، فالموظفون في المستشفيات هم أول من يواجه خطر الموت من خلال عملهم الميداني، ومع ذلك يُحرمون من حقوقهم الأساسية في الأجر، بينما يتم تحويل الأموال إلى جيوب المسؤولين الفاسدين، في الوقت الذي يموت فيه العديد من المرضى بسبب قلة الموارد، يُستغل هؤلاء الأبطال في صمت.
تحديات كبيرة أمام الصحفيين والنشطاء
بعد نشر هذه الوثائق، تم استهداف الناشط الصحفي زهير الجامد، الذي قام بالكشف عن الفساد، حيث تم تحويله إلى النيابة بتهمة "التحريض" و"نشر الأكاذيب".
هذه الخطوة تشير إلى حجم الضغط الذي يتعرض له الصحفيون والنشطاء الذين يرفضون السكوت عن الفساد، وما يزيد من تعقيد الوضع هو تهديدات المسؤولين الفاسدين لمن يكشفون عن ممارساتهم، حيث تم تحذير العديد من الصحفيين بأنهم سيواجهون السجون والزنازين إذا استمروا في نشر هذه الفضيحة.
على الرغم من هذه التهديدات، يصر الصحفيون والنشطاء في الضالع على فضح الفساد، مؤكدين أن مصلحة المدينة وأهلها تتطلب الوقوف في وجه الظلم، وتستمر رسائل الدعم للمجاهدين من الصحفيين الذين يرفضون السكوت عن الحقيقة، بل ويتعهدون بنشر المزيد من الأدلة حول ممارسات الفساد في المدينة.
السكوت على الفساد: خيانة لتضحيات الشهداء
إن ما يحدث في الضالع اليوم هو وصمة عار في تاريخ المدينة الباسلة، المدينة التي ضحت بأرواح آلاف الشهداء في معركة التحرير، أصبحت اليوم ضحية فساد داخلي يستهدف كل شيء: من الخدمات الصحية إلى الموارد المالية.. إن السكوت عن هذا الفساد ليس مجرد تجاهل لمصالح المواطنين، بل هو خيانة لتضحيات الشهداء الذين بذلوا حياتهم من أجل أن تكون الضالع آمنة ومزدهرة.
إن الفساد ليس مجرد خطأ عابر، بل هو مرض مستشري في جسد المؤسسات الحكومية، وقد بدأ يؤثر بشكل مباشر على حياة الناس، وبالرغم من أن هذا الفساد قد يكون موجودًا في العديد من مؤسسات الدولة، فإن السكوت عنه في الضالع يُعد جريمة بحق المدينة وأبنائها، يجب أن نرفع أصواتنا ضد هذا الفساد، لأن السكوت عنه يعني الاستمرار في تدمير الضالع وإهدار تضحيات الشهداء.
دعوة للتعاون وفضح الفساد
في خضم هذه الأزمة، تُطلق الدعوات من مختلف الأطياف في الضالع وكل محافظات الجنوب من أجل توحيد الجهود في فضح الفساد والمفسدين، فكلما تكاتف الناس في مواجهة هذه الممارسات، كلما زادت فرص اقتلاع الفساد من جذوره.
الصحفيون والنشطاء، رغم التهديدات، يواصلون النضال لكشف الحقيقة، وهم بحاجة إلى دعم واسع من المجتمع المدني، هذا ليس وقت السكوت أو التجاهل، بل هو وقت التضامن والعمل المشترك من أجل ضمان أن يكون المستقبل أفضل لأبناء الضالع، فالمعركة ضد الفساد هي معركة من أجل استعادة الكرامة، وهي معركة يجب أن تبدأ من الضالع لتكون نموذجًا لبقية المحافظات.
إن حملة فضح الفساد هذه هي دعوة لكل من يملك صوتًا ليقف مع الحق، ويكسر جدار السكوت، ويواجه المفسدين حتى وإن كانت التحديات كبيرة. فما دامت الحقيقة مدعومة بالأدلة، لن يكون هناك مجال للتراجع أو الخوف. وها هي الضالع تنادي: "نريد التغيير، نريد الحق، نريد الضالع خالية من الفساد".