في لقاء خاص لـ"العين الثالثة"، تحدثنا مع البروفيسور جمال الجعدني، عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة عدن، حول أبرز التحديات التي يواجهها التعليم الجامعي في اليمن.
البروفيسور الجعدني، الذي يعد من أبرز الشخصيات الأكاديمية في البلاد، شاركنا رؤيته الشاملة حول واقع التعليم الجامعي، مشيرًا إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وأكد على أهمية تطوير السياسات التعليمية والبحث العلمي من أجل تعزيز التعليم الجامعي في البلاد.
التحديات الاقتصادية: عائق أمام التعليم الجامعي
بدأ اللقاء بنقاش حول الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه معظم الطلاب في اليمن، وقد أشار البروفيسور جمال إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية تشكل أحد أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى عزوف عن التعليم الجامعي، أو تضعهم في مواقف صعبة للغاية، مما يجعل من الصعب عليهم مواصلة الدراسة في ظل معاناتهم لتوفير أبسط احتياجات الحياة اليومية.
وأوضح الجعدني أن "الشباب في اليمن، سواء في المدن الكبرى أو الأرياف، يواجهون تحديات ضخمة تتعلق بالوضع الاقتصادي المتدهور، حيث يضطر العديد منهم للعمل بدلاً من الاستمرار في التعليم بسبب الحاجة الماسة لدخل يعينهم على الحياة، وهذا بدوره يؤثر سلبًا على التعليم الجامعي، حيث أن العمل في بعض الأحيان يصبح الخيار الوحيد للشباب".
وأضاف: "في بلد غني بالثروات الطبيعية كالنفط والمعادن، إلا أن الفقر وسوء الإدارة يمنعان الاستفادة الفعلية من هذه الموارد، مما يفاقم الأوضاع الاقتصادية ويزيد من معاناة الأسر، ويحد من فرص التعليم الجامعي".
البحث العلمي: ضرورة لتطوير المجتمع
في سياق حديثه عن التعليم الجامعي، تطرق البروفيسور جمال إلى أهمية البحث العلمي في الجامعات ودوره الحيوي في تطوير المجتمع.
وقال: "البحث العلمي لا يعد فقط ضرورة أكاديمية، بل هو أداة مهمة لتحقيق التنمية المستدامة وحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن نقص التمويل والموارد المخصصة للبحث العلمي يشكل عائقًا كبيرًا أمام تقدم الجامعات في هذا المجال".
وأشار إلى أن الجامعات اليمنية تعاني من نقص حاد في الإمكانيات والموارد اللازمة للبحث العلمي، مما يضعف من قدرتها على تقديم حلول فعالة للتحديات التي يواجهها المجتمع.
وأضاف: "من المؤسف أن الفقر وصعوبة الحصول على الدعم المالي اللازم يشكلان تحديًا كبيرًا أمام تطوير البحث العلمي في الجامعات، وهو ما يؤثر في النهاية على جودة التعليم ومستوى الخريجين".
فرص العمل: الفجوة بين التعليم وسوق العمل
أحد أبرز المواضيع التي ناقشناها مع البروفيسور جمال كان موضوع نقص فرص العمل في اليمن، فقد أشار إلى أن هذا النقص يعد من أكبر التحديات التي تواجه الشباب، رغم أن البلاد غنية بالموارد الطبيعية.
وقال: "فرص العمل في اليمن محدودة للغاية، ورغم أن بلادنا تمتلك ثروات طبيعية ضخمة، إلا أن هناك فشلًا في استغلال هذه الموارد بشكل فعال لصالح الاقتصاد الوطني وخلق فرص العمل".
وتابع قائلاً: "الشباب اليمني، بعد تخرجه من الجامعات، يجد نفسه في موقف صعب، حيث لا توجد وظائف تتناسب مع مؤهلاته، مما يدفعه إما للهجرة أو للعمل في مجالات لا علاقة لها بتخصصه الدراسي، وهذا بالطبع يؤدي إلى تراجع في الدافعية للتعليم الجامعي لدى الكثير من الطلاب".
التحديات الإدارية في الجامعات اليمنية
عند الحديث عن الجامعات في اليمن، أشار البروفيسور جمال إلى العديد من التحديات التي تواجهها في الجوانب الإدارية والتنظيمية.
وقال: "الجامعات اليمنية تحتاج إلى إصلاحات جذرية على مستوى الهيكل الإداري والمالي، فضلاً عن ضرورة تطوير المناهج بما يتماشى مع احتياجات السوق العالمية والمحلية".
وأضاف: "هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في أساليب التدريس والبحث العلمي، وتطوير برامج تعليمية تواكب التقدم التكنولوجي وتحاكي أحدث أساليب التعليم في العالم".
وأوضح أن الجامعات اليمنية، رغم الجهود المبذولة، تفتقر إلى الكثير من مقومات التعليم المتطور، بما في ذلك البنية التحتية الحديثة والمرافق المتطورة التي تضمن بيئة تعليمية مناسبة للطلاب.
فرص الإصلاح والتحسين
رغم هذه التحديات، لا يزال هناك أمل في إصلاح التعليم الجامعي في اليمن، أكد البروفيسور جمال على ضرورة التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص من أجل توفير التمويل اللازم للجامعات، ودعم البحث العلمي، وتطوير البرامج التعليمية بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
وقال: "التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص سيؤدي إلى تحسين الوضع التعليمي في اليمن، حيث يمكن للقطاع الخاص أن يساهم بشكل كبير في توفير فرص التدريب والتوظيف للخريجين، كما يمكن أن يسهم في توفير التمويل للبحث العلمي".
وأضاف: "يجب أن يكون هناك رؤية واضحة من قبل الحكومة لدعم التعليم الجامعي، من خلال تحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتيح للشباب فرصًا أفضل للحصول على التعليم الجامعي والعمل في الوقت ذاته".
التعليم الجامعي كأداة للتنمية المستدامة
وفي ختام اللقاء، تحدث البروفيسور جمال الجعدني لـ"العين الثالثة" عن الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه التعليم الجامعي في تحقيق التنمية المستدامة في اليمن.
وقال: "التعليم الجامعي هو حجر الزاوية في أي عملية تنموية، ونحن بحاجة إلى نظام تعليمي قادر على تزويد الشباب بالمهارات والمعرفة اللازمة للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق التقدم في كافة المجالات".
وأضاف: "على الرغم من التحديات الكبيرة التي نواجهها، إلا أنني متفائل بقدرة الشباب اليمني على التغيير إذا تم توفير البيئة التعليمية المناسبة. التعليم الجامعي هو السبيل لبناء جيل قادر على إحداث الفارق في مستقبل البلاد".
وتظل التحديات التي يواجهها التعليم الجامعي في اليمن ضخمة، لكنها ليست مستحيلة، مع الإرادة السياسية والاهتمام المستمر من المجتمع الأكاديمي والقطاع الخاص، يمكن أن تشهد اليمن تحولًا إيجابيًا نحو نظام تعليمي قادر على تلبية احتياجات الشباب ويسهم في تنمية البلاد.
وتبقى الفرصة سانحة لفتح آفاق جديدة أمام التعليم الجامعي في اليمن، شريطة أن تتضافر الجهود الوطنية والدولية لتحقيق هذا الهدف.
نبيل الحريري
صحيفة "العين الثالثة"