يشهد اليمن منذ سنوات تصاعدًا في حجم الفساد داخل مؤسسات الدولة، حيث بات هذا الملف تحديًا رئيسيًا أمام أي جهود لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، في هذا السياق، أبدى مجلس القيادة الرئاسي اهتمامًا واضحًا بمكافحة الفساد عبر خطوات معلنة تتضمن مراجعة شاملة لأداء المؤسسات الحكومية وإطلاق خطة اقتصادية شاملة، ولكن، يبقى السؤال: هل ستترجم هذه الجهود إلى إصلاحات فعلية أم ستظل مجرد تصريحات إعلامية؟
الفساد المؤسسي في اليمن: واقع وتداعيات
يمثل الفساد في اليمن عقبة أمام تحسين الخدمات العامة واستقرار الاقتصاد، خاصة في ظل تدهور العملة الوطنية وارتفاع معدلات الفقر، وقد كشفت التقارير الأخيرة عن أرقام صادمة تتعلق بعمليات نهب أموال الدولة واختلالات إدارية واسعة، هذه الأرقام تأتي بينما تعاني الحكومة من شح الموارد المالية وعجز مزمن في دفع مرتبات الموظفين.
ورغم تسليط الضوء على قضايا فساد محددة، يؤكد خبراء أن المشكلة أعمق من كونها ممارسات فردية، فالفساد في اليمن يُوصف بأنه "منهجي"، تغذيه مراكز نفوذ نافذة تحميه وتدعمه، مما يجعل مواجهته تتطلب أكثر من مجرد تحقيقات عابرة أو إجراءات جزئية.
إجراءات مجلس القيادة الرئاسي
أعلن مجلس القيادة الرئاسي عن سلسلة خطوات، أبرزها توجيهات رئيس المجلس، رشاد العليمي، بمراجعة حسابات كافة المؤسسات الحكومية وإحالة القضايا المنظورة أمام الأجهزة الرقابية إلى القضاء، كما تم التركيز على تعزيز الشفافية وتحسين أداء مؤسسات الدولة من خلال إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وتنفيذ خطة الإنقاذ الاقتصادي التي أُقرت في ديسمبر الماضي.
وفي هذا السياق، التقى العليمي برئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، حيث ناقش الطرفان الرؤية المستقبلية لمعالجة الاختلالات المؤسسية وتحسين السياسة النقدية والأوعية الإيرادية للدولة، كما شدد العليمي على ضرورة تنفيذ توصيات المجلس ومحاسبة الجهات المتخلفة عن التجاوب.
ردود الفعل: إشادة وشكوك
لقيت هذه الجهود ترحيبًا من بعض المراقبين الذين رأوا فيها خطوة إيجابية نحو تعزيز النزاهة والشفافية، ومع ذلك، هناك من يشكك في قدرة المجلس على مواجهة الفساد بشكل جذري في ظل استمرار سيطرة مراكز النفوذ وتغلغلها في مفاصل الدولة.
عبد الحميد المساجدي، رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية، أكد أن إعلان قضايا الفساد يمثل "خطوة في الاتجاه الصحيح"، لكنه شدد على أهمية اتخاذ إجراءات حازمة لتجريد الفاسدين من مناصبهم ومصادرة الأموال المنهوبة.
وأضاف أن عدم وجود موازنة عامة والعمل "في الظلام" يسهل عمليات الفساد الحالية، داعيًا إلى توحيد القرار السياسي والأمني كخطوة أساسية لمكافحة الفساد.
التحديات أمام مكافحة الفساد
رغم ما أُعلن عنه، تبرز عدة تحديات تحول دون تحقيق نتائج ملموسة:
-
غياب الشفافية الشاملة: لا تزال العديد من المؤسسات تعمل خارج إطار الرقابة، ما يجعلها بيئة خصبة للفساد.
-
حماية مراكز النفوذ: القوى المتغلغلة في الدولة قد تعرقل أي جهود تستهدف مصالحها.
-
انقسام القرار السياسي: الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة تسهم في إضعاف الجهود الإصلاحية.
-
ضعف القضاء: عدم كفاءة السلطة القضائية وتسييسها قد يعيق محاسبة المسؤولين عن الفساد.
المطلوب لتحقيق الإصلاح
لمواجهة هذه التحديات، ينبغي لمجلس القيادة الرئاسي اتخاذ خطوات جادة وشاملة، منها:
-
تفعيل دور القضاء: ضمان استقلالية القضاء وسرعة الفصل في قضايا الفساد.
-
توحيد القرار السياسي: معالجة الانقسامات داخل المجلس لتعزيز الجهود المشتركة.
-
شفافية الإيرادات: تحسين إدارة الموارد وتوجيهها إلى الحسابات المخصصة لها.
-
إشراك المجتمع المدني: دعم دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في كشف الفساد وتعزيز الشفافية.
بينما يواجه اليمن أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة، فإن مكافحة الفساد ليست خيارًا بل ضرورة لإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، ورغم الخطوات المعلنة، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على الإرادة السياسية الجادة والمحاسبة الشاملة التي تطال الجميع دون استثناء، اليمن بحاجة إلى نهج جديد يعيد ثقة المواطنين في الدولة ويضع حدًا للفساد الذي أنهكها لعقود.