تشهد محافظات عدن، أبين، ولحج في الجنوب أزمة حادة في الكهرباء، تُضاف إلى سلسلة الأزمات التي تثقل كاهل المواطن، هذه المرة، جاء انقطاع التيار الكهربائي بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية، مما ترك ملايين السكان في ظلام دامس وبرد قارس، وزاد من وتيرة الغضب الشعبي تجاه الحكومة الشرعية.
مع هذه الأزمة، عادت التساؤلات القديمة الجديدة إلى الواجهة: لماذا تفشل الحكومة الشرعية في توفير الخدمات الأساسية؟ وكيف يمكن تبرير هذا الفشل المستمر وسط وعود لم تُنفذ؟
وعود حكومية بلا نتائج
في خضم هذه الأحداث، علّق الكاتب والباحث السياسي سعيد بكران في تغريدة نشرها عبر حسابه في تويتر قائلاً:"رشاد العليمي كان قد وعد قبل أشهر بأن الوقود سيتدفق إلى محطات الكهرباء دون انقطاع".
وأشار بكران إلى تصريحات سابقة أدلى بها وزير الخارجية أحمد بن مبارك، الذي أعلن فيها أن حكومته تمكنت من التغلب على فساد صفقات الوقود، حيث أُنشئت لجنة لطرح المناقصات بشكل شفاف، ما أدى إلى خفض الأسعار إلى النصف، لكن الواقع الميداني يناقض هذه التصريحات، إذ يستمر انقطاع الكهرباء، وسط غياب أي حلول ملموسة على الأرض.
أزمة مزمنة وصمت حكومي
الأزمة الحالية ليست جديدة، بل تُعد امتداداً لأزمات متراكمة تعاني منها المحافظات الجنوبية منذ سنوات، فالجنوب، الذي يُفترض أن يُشكل القلب النابض للدولة اليمنية بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي وثرواته الطبيعية، أصبح الآن ضحية للإهمال الحكومي وسوء الإدارة.
سكان عدن، أبين، ولحج لم يعد بإمكانهم التزام الصمت، مع تزايد معاناتهم اليومية، انقطاع الكهرباء يعني شلل الحياة الاقتصادية، إذ تتوقف الأعمال التجارية، وتتفاقم معاناة المرضى في المستشفيات، وتزداد معاناة الأسر التي تعتمد على الكهرباء لتدفئة منازلها خلال فصل الشتاء.
غضب شعبي يتزايد
الكاتب بكران أضاف في تغريدته: "ما الذي يمكن قوله للناس في هذه المحافظات؟ ومن سيسيطر على مشاعر الغضب لديهم من هذا الفشل المزمن والمستمر؟"، محذراً من احتمالية تصاعد موجة الغضب الشعبي.
وفي رسالة تحمل نبرة تحذيرية واضحة، قال بكران:"لا يجب أن يلوم أحد الشعب في الجنوب إذا تحرك وأسقط هذه الشرعية وحكومتها".
وتعكس هذه الكلمات حالة الاحتقان في الشارع الجنوبي، حيث بات الناس يرون في الحكومة الشرعية رمزاً للفشل، وليس أداة للحل.
إخفاقات متعددة الأبعاد
الأزمة الحالية تسلط الضوء على إخفاقات متعددة تواجهها الحكومة الشرعية:
-
الإدارة الفاشلة للموارد: يبدو أن الحكومة تعجز عن إدارة قطاع الطاقة بشكل مستدام، حيث تعتمد بشكل كامل على الوقود المستورد لتشغيل محطات الكهرباء، دون تقديم أي خطط عملية للتحول إلى مصادر طاقة بديلة أو إنشاء محطات طاقة جديدة.
-
الفساد المستمر: على الرغم من وعود وزير الخارجية أحمد بن مبارك بشأن شفافية المناقصات وخفض تكاليف الوقود، إلا أن المواطنين لم يلمسوا أي تحسن على أرض الواقع، مما يعزز الشعور بأن الفساد لا يزال ينخر في جسد المؤسسات الحكومية.
-
غياب رؤية استراتيجية: الأزمات المتكررة في الكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية تشير إلى غياب خطة حكومية واضحة تضع حداً لهذه المشكلات.
-
التواصل المفقود مع الشعب: الحكومة الشرعية تبدو غائبة عن التواصل مع المواطنين، إذ لم تُصدر حتى الآن أي بيان يشرح أسباب الأزمة الأخيرة، أو يحدد خطوات عملية للخروج منها، ما يزيد من انعدام الثقة بينها وبين الشارع.
السيناريوهات القادمة: غضب شعبي أو تصعيد سياسي؟
مع استمرار الأزمة، تزداد احتمالية حدوث تصعيد شعبي ضد الحكومة الشرعية. الشارع الجنوبي، الذي يعيش في ظل أزمات متواصلة، قد يرى في التحرك ضد الحكومة خياراً لا مفر منه، خاصة إذا استمر تجاهل مطالبه.
هذا التصعيد الشعبي، إن حدث، قد يؤدي إلى سيناريوهات معقدة، أبرزها:
-
فقدان الحكومة السيطرة: إذا اندلعت احتجاجات واسعة، فقد تجد الحكومة نفسها في موقف ضعيف، خاصة مع تصاعد الأصوات التي تطالب بإسقاطها.
-
تدخل أطراف سياسية: قد تسعى أطراف سياسية إلى استغلال الأزمة لتحقيق مكاسب على حساب الحكومة الشرعية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في الجنوب.
الحلول الممكنة: هل يمكن إنقاذ الموقف؟
إن الخروج من الأزمة الحالية يتطلب إجراءات جذرية وسريعة، منها:
-
توفير الوقود فوراً: على الحكومة التحرك بشكل عاجل لتأمين الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، حتى لو تطلب ذلك اتخاذ إجراءات استثنائية.
-
إطلاق خطة طوارئ: يجب الإعلان عن خطة طوارئ لمعالجة أزمة الكهرباء، تتضمن حلولاً قصيرة وطويلة الأمد، مثل تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة.
-
مصارحة الشعب: على الحكومة أن تكون صريحة مع الشعب، وتشرح الأسباب الحقيقية وراء الأزمات، مع تقديم رؤية واضحة للحلول.
-
مكافحة الفساد بجدية: يجب على الحكومة اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة الفساد في قطاع الوقود والكهرباء، وضمان الشفافية في إدارة الموارد.
الحكومة في اختبار مصيري
إن الأزمة الحالية ليست مجرد أزمة كهرباء، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الحكومة الشرعية على استعادة ثقة الشعب الجنوبي، في ظل الغضب الشعبي المتصاعد، يبدو أن الحكومة تقف أمام مفترق طرق: إما أن تُثبت جديتها في معالجة الأزمات، أو أن تواجه مصيراً غامضاً قد ينتهي بفقدان شرعيتها تماماً.
المواطنون في الجنوب ينتظرون أفعالاً حقيقية، وليس مجرد وعود جديدة.