منذ تحرير المحافظات الجنوبية، يعيش الجنوب على وقع أزمات مركبة تُضعف فرص تحقيق الاستقرار والتنمية، فبين صراع القوى السياسية، فساد المؤسسات، وتجاهل احتياجات المواطن البسيط، باتت أحلام أبناء الجنوب في بناء مستقبل أفضل سراباً بعيد المنال..
الجنوب في مفترق الطرق
الحكومة الحالية، والمجلس الرئاسي على وجه الخصوص، لم يكونا على مستوى تطلعات الشعب، حيث غابت عنهما الرؤية الواضحة والخطط الاستراتيجية، في ظل هيمنة الفساد على مفاصل الدولة.
الحكومة: أداء هزيل وغياب المحاسبة
عندما تشكلت الحكومة الحالية، كان الهدف الأساسي هو قيادة مرحلة انتقالية تُعالج خلالها التحديات الاقتصادية والخدمية، وتعزز الاستقرار الأمني والسياسي، لكن ما حدث فعلاً هو تحول الحكومة إلى مصدر للأزمات، بسبب سوء إدارتها وضعف قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية.
إدارة فاشلة تغرق في الفساد
تواجه الحكومة اتهامات بالتقصير في إدارة ملفات حيوية مثل الكهرباء، المياه، الصحة، والتعليم، العديد من المشاريع التنموية توقفت، أو أصبحت تعاني من سوء التنفيذ، في الوقت نفسه، تُتهم الحكومة بالتغاضي عن ممارسات الفساد المستشري داخل وزاراتها، حيث تُمنح العقود والمناقصات بطريقة مشبوهة تخدم مصالح قوى نافذة على حساب المواطن البسيط.
الأدهى أن العديد من الوزراء والمسؤولين المتورطين في الفساد لم تتم محاسبتهم، بل يتم نقلهم إلى مناصب أخرى كنوع من المكافأة. هذا النمط المتكرر من "إعادة تدوير" المسؤولين الفاسدين يعكس غياب إرادة حقيقية للإصلاح.
مجلس رئاسي غائب عن المشهد
في ظل هذا الوضع، يُلقي كثيرون باللوم على المجلس الرئاسي الذي يُفترض أن يكون الجهة المشرفة على أداء الحكومة، المجلس، الذي أُنشئ كإطار لتوحيد القيادة السياسية، يبدو عاجزاً عن ممارسة دوره الحقيقي في متابعة أداء الحكومة أو محاسبتها.
أين الرقابة والمتابعة؟
منذ تشكيل المجلس الرئاسي، لم تُعلن أي تقارير دورية عن تقييم أداء الحكومة، ولم يُتخذ أي إجراء حاسم ضد الوزراء أو المسؤولين الفاشلين، وغياب مثل هذه التقارير يطرح تساؤلات حول آليات المتابعة التي يعتمدها المجلس، وإن كانت موجودة أصلاً.
ما يزيد الأمور تعقيداً هو تعطل الجهات الرقابية مثل هيئات مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ما يفتح الباب أمام المزيد من الفساد دون رقيب أو حسيب.
التعديلات الوزارية: وعود بلا مضمون
مع كل أزمة، تبرز التعديلات الوزارية كحل يُروج له لتحسين الأداء الحكومي، لكن التجارب السابقة أثبتت أن هذه التعديلات غالباً ما تكون شكلية، حيث يتم استبدال وزير فاسد بآخر لا يقل عنه فساداً، أو يتم نقل الفاسدين إلى مواقع جديدة.
التسريبات الأخيرة حول التعديلات الوزارية كشفت عن استمرار نفوذ قوى سياسية تسعى للحفاظ على مصالحها. هذه القوى تفرض أسماء محددة، بغض النظر عن كفاءتها أو نزاهتها، مما يجعل التعديلات مجرد وسيلة لتحسين الصورة العامة للحكومة، دون أن تحمل تغييراً حقيقياً في الأداء.
الاقتصاد بين الانهيار والتجاهل
الوضع الاقتصادي في الجنوب يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ارتفاع الأسعار، انهيار العملة، وتردي الخدمات الأساسية كلها انعكاسات مباشرة لفشل الحكومة في إدارة الموارد الاقتصادية.
أبرز مشكلة تواجه الجنوب هي عدم توحيد الموارد المالية. فبدلاً من توريد كافة الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، تُجمع الأموال في حسابات مختلفة، ما يفتح المجال لسوء الإدارة والفساد.
كيف يمكن إنقاذ الجنوب؟
لإنقاذ الجنوب من هذه الدوامة، لا بد من اتخاذ خطوات جادة وشجاعة تشمل:
1. إصلاح حكومي شامل:
2. إعادة تفعيل المؤسسات الرقابية:
3. توحيد الموارد المالية:
4. إجراء تقييم دوري:
5. تعزيز الاستقرار الأمني:
6. الضغط على المجلس الرئاسي:
الجنوب بين الأمل واليأس
الوضع في الجنوب يمثل صورة مصغرة لأزمات اليمن ككل: فشل حكومي، فساد مستشرٍ، ومؤسسات ضعيفة، ومع ذلك، لا يزال الأمل قائماً في قدرة الشعب الجنوبي على الضغط لتحقيق إصلاحات حقيقية تُنقذ ما يمكن إنقاذه.
المجلس الرئاسي والحكومة أمام خيارين: إما اتخاذ خطوات جادة لإنقاذ الجنوب، أو مواجهة ثورة شعبية تُعيد ترتيب المشهد بأيدٍ جديدة، وفي كل الأحوال، يبقى الجنوب بحاجة إلى قيادة تمتلك الشجاعة والرؤية لإحداث التغيير المطلوب، لأن الشعب لن يحتمل مزيداً من الخيبات.