في مشهد متكرر ومأساوي، تعيش العاصمة عدن أزمة كهرباء خانقة، لكن هذه المرة في فصل الشتاء، حيث كان يُفترض أن تكون الأحمال الكهربائية أقل مما هي عليه في الصيف، مع ذلك، أصبحت المدينة تغرق في ظلام دامس يوميًا، لتتجاوز ساعات الانقطاع حاجز 10 ساعات، ما يعكس فشلًا مستمرًا للحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي في تقديم حلول جذرية ومستدامة لهذا الملف الحيوي.
هذه الأزمة التي امتدت لتشمل كل تفاصيل الحياة اليومية في عدن ليست جديدة على المدينة، لكنها اكتسبت طابعًا استثنائيًا مع تكرارها في فصل الشتاء، المعروف بانخفاض الطلب على الطاقة الكهربائية، بالنسبة للمواطنين، أصبحت أزمة الكهرباء رمزًا للإهمال الحكومي والفساد الإداري الذي يُثقل كاهل المدينة وسكانها.
شتاء مختلف.. ظلام أشد وطأة من برده
اعتاد سكان عدن على معاناة الكهرباء في فصول الصيف الحارقة، حيث تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في زيادة الأحمال الكهربائية وتعطل المنظومة الهشة أساسًا، إلا أن هذه الأزمة الجديدة في الشتاء أثارت تساؤلات واسعة عن كفاءة الإدارة الحكومية وعجزها عن معالجة مشكلة متكررة، خاصة وأن فصل الشتاء يشهد عادةً انخفاضًا ملحوظًا في استهلاك الطاقة الكهربائية.
في الأحياء الفقيرة والغنية على حد سواء، تعيش الأسر تحت وطأة هذه الأزمة التي لم تترك للمواطنين مجالًا للاسترخاء أو التقاط الأنفاس من معاناة الصيف الطويل، يقول أحمد سالم، أحد سكان حي المعلا: "نعيش في ظلام مستمر، ولا يبدو أن هناك أي بوادر لحلول قريبة.. اعتدنا على المعاناة، لكن ما يحدث الآن يتجاوز كل حدود الصبر."
أسباب معروفة وحلول غائبة
تتعدد الأسباب التي تُلقي الحكومة باللوم عليها لتبرير الأزمة، فهناك مشكلة انعدام الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، والصيانة المتوقفة، والبنية التحتية المتهالكة التي لم تشهد أي تطوير منذ سنوات، هذه الأعذار لم تعد تقنع المواطنين الذين يعتبرونها مجرد ذرائع لتغطية الفشل الحكومي والإداري.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه السلطات عن "تحديات" وصعوبات تواجهها في إصلاح قطاع الكهرباء، يرى خبراء أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الإرادة السياسية لإجراء إصلاحات جذرية.
المهندس عبدالرحمن صالح، المتخصص في شؤون الطاقة، أوضح: "الكهرباء في عدن ليست مجرد أزمة فنية، إنها أزمة إدارة وفساد، الحلول موجودة، لكن غياب التخطيط والاستثمار الحقيقي يعرقل أي تقدم."
انعكاسات كارثية على حياة الناس
لم تعد أزمة الكهرباء مجرد مسألة تقنية تتعلق بالإنارة أو تشغيل الأجهزة، بل أصبحت قضية تؤثر على كل مناحي الحياة، القطاع الصحي، على سبيل المثال، يعاني بشدة من انقطاع التيار الكهربائي، حيث تعمل المستشفيات والمراكز الصحية بقدرة محدودة بسبب الاعتماد الكبير على مولدات الطاقة التي تحتاج إلى وقود باهظ الثمن.
الأوضاع الاقتصادية كذلك تتأثر بشكل كبير، الأعمال الصغيرة والورش الصناعية، التي تعتبر مصدر رزق لآلاف الأسر، تكافح للبقاء في ظل انقطاع الكهرباء المستمر، أيضًا المتاجر، المطاعم، ومحال المواد الغذائية، كلها تعاني خسائر فادحة، ما يُنذر بتفاقم البطالة والفقر في المدينة.
اجتماعيًا، يعيش الناس في حالة من الإحباط والغضب نتيجة هذا الوضع الذي يبدو أنه بلا حل قريب، الأسر في عدن تضطر لتحمل تكاليف إضافية لتشغيل مولدات كهرباء خاصة، ما يزيد من العبء المالي على كاهلها، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
غضب شعبي وصمت حكومي
وسط هذه المعاناة المتفاقمة، يزداد الغضب الشعبي تجاه الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي اللذين يلتزمان الصمت حيال هذه الكارثة، التصريحات الرسمية لا تتجاوز حدود الوعود الفارغة، دون أي خطوات ملموسة على الأرض.
في وسائل التواصل الاجتماعي، تعالت أصوات الناشطين والمواطنين للتعبير عن استيائهم، الناشط عدنان الكلدي كتب على تويتر: "الكهرباء في عدن ليست مجرد خدمة، بل حياة، عندما تعجز الحكومة عن توفير الكهرباء في الشتاء، فماذا نتوقع منها في الصيف؟"
أما الناشطة فاطمة سالم، فقد طالبت بتحركات شعبية لرفع الصوت عاليًا ضد هذا الإهمال، قائلة: "صبرنا بما يكفي، إذا لم نستطع الحصول على حقنا في الكهرباء، فما الذي يمكننا أن نتوقعه من هذه الحكومة؟"
ماذا بعد؟
أزمة الكهرباء في عدن تتطلب حلولًا بعيدة المدى، تبدأ بتأهيل البنية التحتية، وتوفير الوقود الكافي، وتعزيز كفاءة محطات التوليد، لكن قبل ذلك، تحتاج المدينة إلى قيادة تمتلك الإرادة الحقيقية للعمل على إصلاح هذا الملف.
في الوقت الحالي، يبدو أن عدن تسير نحو مستقبل أكثر قتامة إذا استمرت الحكومة في تجاهل مطالب الناس، ومع اقتراب فصل الصيف، حيث تتضاعف الأحمال الكهربائية، قد تواجه المدينة كارثة حقيقية.
أزمة الكهرباء في عدن ليست مجرد انقطاع في التيار، بل هي مرآة تعكس فشلًا مستمرًا في إدارة الدولة ومؤسساتها، بين الظلام الذي يغلف المدينة، وأصوات المواطنين المطالبة بحلول عاجلة، يبقى السؤال: هل ستستيقظ الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي لتحمل مسؤولياتهم، أم أن عدن ستظل تدفع ثمن الإهمال والفساد؟