مفارقات غريبة تشهدها العاصمة عدن، حيث اجتمعت محطات الموت والحياة في مشهد يعكس واقع المدينة المتناقض، الأسبوع الماضي افتتحت السلطات مقبرة جديدة في الممدارة، واليوم أُعلن عن افتتاح مبانٍ جديدة لإصلاحية سجن المنصورة.
مقبرة الممدارة تفتح أبوابها للموتى
الأربعاء الماضي، شهدت منطقة الممدارة في العاصمة عدن افتتاح مقبرة جديدة، وُصفت بأنها "نموذجية"، بعد سنوات من أزمة امتلاء المقابر في المدينة، الخطوة جاءت استجابة لضغوط متزايدة من السكان الذين واجهوا صعوبات في إيجاد أماكن لدفن موتاهم، خاصة في مديريات وسط عدن.
المقبرة، التي وُصفت بأنها الأولى من نوعها في المدينة، صُممت بمواصفات حديثة، حيث تضمنت مغسلة متطورة لتجهيز الموتى، ومصلى مخصص للصلاة على الجنازات، وشبكة مياه موزعة على كامل الموقع، كما زُودت المقبرة بأعمدة إنارة تعمل بالطاقة الشمسية وحراسة دائمة لضمان إدارة الموقع بشكل جيد.
المسؤولون أكدوا أن تكلفة الدفن لن تكون عبئًا على المواطنين، حيث تم تحديد مبلغ رمزي يتراوح بين 20 و30 الف ريالًا يمنيًا لتغطية النفقات التشغيلية.
ورغم هذه الجهود، لم تخفِ السخرية نفسها بين أوساط السكان، حيث قال أحدهم: "في عدن، حتى الموت أصبح لديه تخطيط أفضل من حياة الأحياء!"
سجن المنصورة يتحول إلى "إصلاحية مطورة"
وفي خطوة أخرى تعكس الوجه الآخر للعاصمة عدن، افتتح محافظ عدن، أحمد حامد لملس، صباح الأربعاء، المباني الجديدة لإصلاحية سجن المنصورة المركزي، المشروع يأتي ضمن برنامج تأهيل وصيانة المنشآت الأمنية في المدينة، بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة.
السجن الجديد ليس مجرد مكان للاحتجاز، بل تحول إلى مركز تأهيل متكامل، بحيث اوضح المحافظ لملس خلال الافتتاح أن هذه الخطوة تهدف إلى تحسين ظروف الاحتجاز وتعزيز الجوانب الإنسانية، بما يضمن معاملة كريمة للنزلاء وفقًا للمعايير الدولية.
كما أكد لملس على أهمية برامج التأهيل والتدريب داخل السجون، التي تُعد حجر الزاوية في إعادة دمج السجناء بالمجتمع.
وأضاف: "نحن لا نكتفي بتطوير البنية التحتية، بل نركز على بناء الإنسان وتزويده بالمهارات التي تمكنه من بدء حياة جديدة بعد قضاء مدة العقوبة."
مفارقة غريبة: الموت والحياة في سباق التخطيط!
افتتاح مقبرة جديدة الأسبوع الماضي وسجن "مطوّر" هذا الأسبوع لم يمر مرور الكرام، المواطنون في عدن وجدوا في هذا التزامن مادة دسمة للتعليقات الساخرة.
قال أحد المواطنين: "إذا كانت المقابر بهذا التنظيم والسجون بهذه الخدمات، فربما علينا التفكير مرتين قبل اختيار البقاء أحرارًا!"، فيما علّق آخر: "ما بين السجن والمقبرة، يبدو أن عدن تخطط للحياة بطريقتها الخاصة."
ما بين السجن والمقبرة: أين الأحياء؟
اللافت أن الاهتمام بتنظيم المقابر وتطوير السجون يثير تساؤلات حول مصير الأحياء في المدينة، الذين يعانون يوميًا من أزمات معيشية واقتصادية وأمنية خانقة.
ورغم الجهود المبذولة لتحسين البنية التحتية، يبقى السؤال الأهم: متى ستشهد عدن مشاريع تُركز على تحسين حياة مواطنيها خارج المقابر والسجون؟
ويبقى يوم الأربعاء شاهدًا على عدن التي تسعى لإعادة ترتيب فوضاها، وإن كان ذلك عبر التخطيط للموت وتطوير الاحتجاز، في حين تظل الحياة الحرة تائهة بينهما.