في ظل مشاهد الأمطار الأخيرة التي أغرقت شوارع عدن وكشفت عيوب مشاريع البنية التحتية، عاد الجدل مجددًا حول ملفات الفساد المستشري في المدينة التي تعاني من أزمات متراكمة.
مشاهد الطرق التي انهارت تحت وطأة أمطار عادية، ومنازل غمرتها المياه، دفعت بناشطين ومواطنين إلى تصعيد مطالبهم بمحاسبة المسؤولين في صندوق صيانة الطرق والجسور بالعاصمة عدن عن تنفيذ مشاريع توصف بالوهمية، والمطالبة بكشف الفساد الذي استنزف موارد المدينة وأثقل كاهل سكانها.
أمطار فضحت المستور: أين ذهبت المليارات؟
شهدت الأيام الأخيرة في عدن موجة من الأمطار، لم تكن غزيرة بمعايير الطقس، لكنها كانت كافية لتكشف زيف الادعاءات حول جودة مشاريع البنية التحتية، وتحولت الشوارع التي يفترض أنها أنجزت حديثًا إلى بركٍ من المياه، وانهارت أجزاء كبيرة منها، وسط مشاهد تعكس حالة إهمال وتلاعب واضحة.
وقال أحد سكان حي الشيخ عثمان، وهو يقف أمام طريق غمرته المياه بالكامل: "هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر، في كل مرة تمطر، تصبح حياتنا كابوسًا، أين ذهبت المليارات التي أُنفقت على مشاريع الطرق؟ ما نراه مجرد أسفلت هش يغرق وينهار بمجرد نزول الأمطار."
مشاريع باهظة ومواصفات متدنية
تصريحات السكان الغاضبة تتقاطع مع ما كشفه ناشطون محليون، حيث أكدوا أن معظم مشاريع صندوق صيانة الطرق والبنية التحتية في عدن جرى تنفيذها بمواصفات متدنية لا تتماشى مع معايير الجودة العالمية، رغم المبالغ الضخمة التي رصدت لها.
وقال ناشط في صفحته بالفيسبوك: "المشكلة ليست فقط في سوء التنفيذ، بل في التضخم الفاحش في التكاليف، يتم الإعلان عن مشاريع بمليارات الريالات، لكن على الأرض نجد أعمالًا تفتقر لأبسط معايير الجودة هذه سرقة مكشوفة، وعلينا أن نضع حدًا لها."
الفساد يعمق جراح المدينة
عدن، التي تعاني أصلاً من أزمات معيشية وخدمية حادة، تواجه اليوم خطرًا مضاعفًا نتيجة هذا الفساد المستشري. السكان يتساءلون: كيف يمكن لمدينة تمتلك ميزانيات ضخمة أن تعاني بهذا الشكل؟ وكيف يمكن للأموال العامة أن تتحول إلى جيوب الفاسدين دون رقيب أو حسيب؟
وأحد أبرز الملفات التي أثارت حفيظة الشارع هو تقارير حول وجود تواطؤ بين مسؤولين محليين بصندوق صيانة الطرق ومقاولين لتنفيذ مشاريع شكلية، مع تقاسم أرباحها على حساب جودة العمل.
دعوات للتحقيق والمحاسبة
في خضم هذه التطورات، أطلق ناشطون وصحفيون حملات على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة حول مشاريع البنية التحتية في عدن.
وركزت الحملة على ضرورة استدعاء المقاولين المسؤولين عن تنفيذ المشاريع الفاشلة، ومراجعة العقود والميزانيات التي أُقرت لتنفيذها.
وأكد أحد الناشطين: "ما يحدث في عدن ليس مجرد إهمال، بل جريمة منظمة ضد الشعب. هذه الأموال هي قوت الأطفال والجياع، وهي موارد يفترض أن تُنفق لتحسين حياتنا. لا يمكن أن نصمت أكثر، حان وقت المحاسبة."
محاسبة الفاسدين: مطلب شعبي ملح
في ظل تصاعد الغضب الشعبي، يطالب المواطنون بمحاسبة المسؤولين عن الفساد، بدءًا من المسؤولين الحكوميين الذين أقروا المشاريع، وصولًا إلى المقاولين الذين نفذوها.
وقالت إحدى المواطنات: "لا نريد وعودًا جديدة، تعبنا من الكلام، نريد أفعالًا حقيقية، يجب محاسبة كل شخص تورط في هذه الكارثة، سواء كان مسؤولًا كبيرًا أو صغيرًا، الشعب لم يعد يحتمل."
الآثار الكارثية للفساد على عدن
ما يعمق مأساة عدن هو أن أزمات البنية التحتية ليست سوى جزء من معاناة أكبر تعيشها المدينة، الكهرباء غير مستقرة، والمياه شحيحة، والبطالة والفقر ينتشران بوتيرة متسارعة، ومع ذلك، تتزايد قصص الفساد التي تتناول سوء إدارة الموارد ونهب الأموال العامة، مما يزيد من معاناة المواطنين.
يقول أحد المراقبين المحليين: "ما يحدث في عدن هو انهيار شامل للبنية الاقتصادية والاجتماعية، إذا استمر الوضع دون معالجة جادة، فقد نشهد انهيارًا أكبر يطال كل مناحي الحياة."
الوقت ينفد: إلى أين تسير عدن؟
السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم هو: هل تستجيب السلطات لمطالب الشارع وتفتح ملفات الفساد الكبرى؟ أم أن الأمور ستستمر على حالها، مما ينذر باحتقان أكبر قد يؤدي إلى انفجار شعبي؟
المواطنون، في انتظار العدالة، يطالبون بخطوات ملموسة: تشكيل لجان تحقيق مستقلة، محاسبة علنية للفاسدين، واسترداد الأموال المنهوبة.
وفي النهاية، يبقى صوت الشارع هو المحرك الأساسي للتغيير، فهل ينجح سكان عدن في انتزاع حقوقهم، أم تبقى آمالهم رهينة وعود بلا تنفيذ؟ الأيام المقبلة ستكشف الكثير.