في تقرير كشف فيه الصحفي اليمني فتحي بن لزرق عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن عن تفاصيل مثيرة بشأن تدفقات الإيرادات الحكومية في اليمن، وخاصة تلك التي تتعلق بتوريد الأموال إلى خزينة البنك المركزي في عدن، وتكشف هذه التفاصيل عن قضية فساد مالي مستشري داخل مؤسسات الدولة، حيث يستمر عدد من الوزارات والهيئات الحكومية في تحويل إيراداتها إلى حسابات خاصة في بنوك تجارية وشركات صرافة، مما يجعل من الصعب على البنك المركزي إدارة هذه الأموال بشكل قانوني وفعال. وأشار بن لزرق إلى أنه تواصل مع نائب محافظ البنك المركزي، الدكتور محمد باناجه، في محاولة للحصول على قائمة محددة بأسماء الهيئات التي تتبع هذا السلوك، مما يسلط الضوء على واحدة من أكبر الثغرات المالية التي تهدد استقرار الاقتصاد اليمني في ظل الأزمات الراهنة.
حصر الحسابات المخالفة: خطوة نحو الشفافية المالية
أوضح بن لزرق في منشوره أن الدكتور محمد باناجه أبدى تعاونًا ملحوظًا، لكنه أشار إلى أن عملية حصر الحسابات التي ترفض توريد الإيرادات إلى خزينة البنك المركزي تتطلب تنسيقًا مع وزارة المالية. وفي هذا السياق، أشار باناجه إلى أن هذه المهمة قد تأخذ بعض الوقت حيث يعمل البنك المركزي بالتعاون مع وزارة المالية على إعداد قائمة شاملة تحتوي على تفاصيل الحسابات المخالفة، ورغم التحديات التي يواجهها البنك المركزي في هذا المجال، إلا أن بن لزرق أكد أن الحكومة عازمة على إغلاق هذه الحسابات لمنع تسريب الإيرادات التي من المفترض أن تساهم في تغذية الخزينة العامة.
ويذكر الصحفي اليمني أن البنك المركزي ووزارة المالية كانا قد رصدا نحو 320 حسابًا بنكيًا تتضمن إيرادات من الوزارات والهيئات الحكومية، إلا أن ما تم إغلاقه منها حتى الآن لا يتجاوز 90 حسابًا فقط، مما يعني أن هناك حوالي 230 حسابًا آخر لا يزال يحول إليها جزء كبير من الأموال العامة دون أي إشراف أو مراقبة، ويعتبر هذا الرقم بمثابة مؤشر خطير على غياب الرقابة والتلاعب المحتمل بالإيرادات المالية في اليمن، وهو ما يفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية في البلاد.
أثر الحسابات المخالفة على الاقتصاد الوطني
إن وجود 230 حسابًا آخر لا يخضع لأي نوع من الرقابة من البنك المركزي أو وزارة المالية، يفتح الباب على مصراعيه أمام الفساد المالي والتلاعب بالإيرادات الحكومية، ومن المعروف أن الاقتصاد اليمني يعاني من تدهور حاد في الأوضاع المالية، خاصة مع استمرار الحرب التي أفرزت العديد من المشاكل الهيكلية في المؤسسات الحكومية. ويأتي هذا الوضع في وقت حساس حيث تكافح البلاد من أجل الحفاظ على استقرار الاقتصاد المحلي، الذي يشهد تدهورًا مستمرًا في ظل شح السيولة المالية والتضخم المتزايد.
ويعكس هذا الوضع المخالفات المالية التي لا تزال مستمرة، خاصة وأن الإيرادات التي يجب أن تُوجه إلى البنك المركزي في عدن تظل في حسابات خاصة، مما يجعل من الصعب على الحكومة الاستفادة منها في دعم الاستقرار المالي أو في تمويل المشاريع التنموية. في حال تمكّنت الحكومة من إغلاق هذه الحسابات المخالفة وتوجيه الإيرادات بشكل قانوني إلى البنك المركزي، فإن ذلك سيشكل تحولًا مهمًا في مسار الإصلاحات المالية في البلاد.
البنك المركزي: أزمة شح السيولة والتهديدات المستمرة
من جهة أخرى، تواصل أزمة السيولة النقدية في البنك المركزي اليمني تفاقم الوضع الاقتصادي، وتشير المصادر المطلعة إلى أن البنك المركزي يعاني من صعوبة كبيرة في توفير الأموال اللازمة لعمليات السحب النقدي، حيث يواجه العملاء صعوبة في الحصول على مبالغ نقدية كبيرة، ويثير هذا النقص الحاد في السيولة النقدية العديد من التساؤلات حول مصير الإيرادات التي يتم توريدها إلى البنك، وخاصة في ظل الغموض الذي يكتنف آلية إدارة هذه الأموال في ظل غياب الرقابة والشفافية الكافية.
ويطرح الوضع الحالي تساؤلات مهمة حول كفاءة الإدارة المالية في اليمن، حيث تزداد التحديات بشكل مستمر بسبب غياب الاستقرار المالي، ما يعوق قدرة الحكومة على إدارة الأزمات الاقتصادية المتعددة، وفي هذا السياق، يُعتبر أن إعادة توجيه الإيرادات إلى البنك المركزي قد يساعد بشكل كبير في تعزيز السيولة وتوفير المبالغ اللازمة لمواجهة الاحتياجات الاقتصادية والمالية اليومية.
الفساد المالي: أحد أكبر التحديات الاقتصادية في اليمن
لا شك أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة اليمنية اليوم هو الفساد المالي المستشري في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، ويساهم هذا الفساد في إضعاف القدرة على تحصيل الإيرادات بشكل عادل وشفاف، مما يفاقم الأزمات الاقتصادية ويزيد من معاناة المواطنين، في هذا السياق، تأتي المحاولات الحالية لحصر الحسابات المخالفة وإغلاقها كخطوة مهمة نحو تحقيق الشفافية المالية والحد من الفساد.
إن فتح ملف الحسابات المخالفة هو بمثابة خطوة ضرورية لإصلاح الوضع المالي في البلاد، وإن كانت ستواجه العديد من التحديات، ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود قد يؤدي إلى تحولات جذرية في كيفية إدارة الإيرادات العامة، وقد يسهم في استعادة جزء من الثقة المفقودة في المؤسسات الحكومية، إضافة إلى ذلك، قد يكون لهذه الخطوات دور كبير في الحد من الأزمات النقدية وتوفير السيولة اللازمة لاستمرار الحياة الاقتصادية في البلاد.
الآفاق المستقبلية: هل يمكن تحقيق الإصلاحات المالية؟
إن الآمال كبيرة في أن تتمكن الحكومة اليمنية من السيطرة على الوضع المالي بشكل أفضل في المستقبل، خاصة في ظل الجهود الحالية التي يبذلها البنك المركزي ووزارة المالية، ولكن، لا تزال هناك العديد من العقبات التي قد تعيق هذه الإصلاحات، بما في ذلك الصعوبات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يعيشها اليمن في ظل الحرب المستمرة.
من المهم أن تواصل الحكومة اليمنية مساعيها لمكافحة الفساد المالي وتعزيز الشفافية في إدارة الإيرادات، وفي الوقت نفسه، يجب العمل على استعادة الثقة في المؤسسات الحكومية لضمان استمرار دعم المجتمع الدولي والمواطنين لمختلف الإصلاحات الاقتصادية.
إن النجاح في إغلاق الحسابات المخالفة وتحويل الإيرادات إلى البنك المركزي يمثل خطوة حاسمة نحو إصلاح الوضع المالي في اليمن، ولكنه لا يعد الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية. بل، هو جزء من جهود أوسع تحتاجها البلاد من أجل تحسين الإدارة المالية ومحاربة الفساد بشكل شامل، وفي ظل التحديات الراهنة، يبقى الأمل في أن تحقق الحكومة اليمنية الإصلاحات التي تنتظرها البلاد لتجاوز الأزمة الراهنة نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا.