في خضم الوضع المعقد الذي يواجهه اليمن، يظهر الجنوب اليمني، بثقله السكاني والسياسي، كبؤرة للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة منذ عقود. يعاني سكانه من تدهور مستمر في ظروفهم المعيشية، وسط غياب شبه تام لحلول جذرية واستجابات حكومية.
وفي مقال له بعنوان "الحرية والمعيشة: خيارات الجنوبيين في زمن الأزمات"، يتناول الصحفي حافظ الشجيفي هذه الأزمات بعمق، مسلطًا الضوء على رؤية جديدة للخروج من عنق الزجاجة، ومقترحًا مسارًا سياسيًا جريئًا: المطالبة باستقلال الجنوب كوسيلة ضغط فعّالة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
استقلال الجنوب كأداة لتحقيق تحسن معيشي
يرى الشجيفي أن الجنوبيين لم يعد أمامهم الكثير من الخيارات، مع تكرار الأزمات وتصاعد الفقر والمعاناة. ويشير إلى أن الطريق لتحسين الأوضاع لا يتأتى عبر مطالب اقتصادية ضيقة، بل من خلال المطالبة الشاملة باستقلال الجنوب. ويعتبر أن هذه المطالبة ستُجبر الحكومة إما على تحسين الأوضاع المعيشية وإجراء إصلاحات جذرية، أو التخلي عن الجنوب، مما يتيح للجنوبيين فرصة إدارة شؤونهم بطريقة تحقق لهم مستوى معيشيًا أفضل.
يعتبر الشجيفي أن المطالبة بالاستقلال لا تهدف فقط إلى تحقيق طموحات سياسية، بل تعكس أيضًا احتجاجًا جماهيريًا ضد السياسات الاقتصادية التي تستهدفهم. إذ يرى أن الضغط السياسي يضع الحكومة أمام خيارين: إما تحسين الأوضاع المعيشية، أو مواجهة حركة استقلالية متنامية لا يمكن تجاهلها.
تشكيك في التزام الحكومة بالوحدة الوطنية
يتناول المقال سلوك الحكومة تجاه الوحدة الوطنية، حيث يشير الشجيفي إلى أن الحكومة تُظهر اهتمامًا محدودًا بوحدة البلاد، مما يعكس عدم حرصها الحقيقي على الوحدة كما تدعي. ويقول إن الحكومة، التي تزعم السعي للحفاظ على وحدة اليمن، لم تتخذ خطوات عملية لتحسين الأوضاع في الجنوب، بل وقفت موقف المتفرج بل والمتعنت في كثير من الأحيان. ومن هذا المنطلق، يرى الشجيفي أن الحديث عن الوحدة الوطنية بدون التزام حقيقي برفاهية المواطنين وحقوقهم هو شعارات جوفاء.
ويسلط الضوء على التجارب السابقة حيث واجهت المظاهرات السلمية المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية قمعًا حكوميًا، مما يشير إلى عدم وجود اهتمام حقيقي لدى الحكومة بتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب. وهذا بدوره يدفع الجنوبيين، حسب رأي الكاتب، إلى إعادة النظر في خياراتهم السياسية والمطالبة باستقلال يمكن أن يؤدي لتحسين ظروفهم المعيشية.
الأزمات الاقتصادية وتأثيرها على المطالب السياسية
يعتبر الشجيفي أن الأزمات الاقتصادية المتتالية ليست مجرد نتيجة لسياسات خاطئة، بل إنها "أداة" للسيطرة السياسية على الشعب الجنوبي. إذ يُلاحظ أن تدهور الظروف المعيشية، الذي يتجلى في نقص الغذاء وارتفاع الأسعار وانهيار الخدمات، يُستخدم كوسيلة لإجبار المواطنين على النزول إلى الشوارع للمطالبة بتحسين الظروف. ولكن، بحسب الشجيفي، تهدف الحكومة من خلال هذا إلى دفع الناس للتنازل عن مطالبهم السياسية (الاستقلال) في مقابل تحقيق مطالبهم المعيشية الأساسية.
ويعتبر الكاتب أن الحكومة تتعمد تهميش الجنوب وتركه يعاني من أزمات متفاقمة حتى تضمن نوعًا من الهيمنة السياسية عليه، لأن تقديم الحلول للأزمات المعيشية قد يمنح المواطن الجنوبي شعورًا بالاستقرار ويعيد ثقته بمشروع الوحدة. ويُفهم من ذلك أن الحكومة تنتهج سياسات اقتصادية غير عادلة كوسيلة لإبقاء الجنوب في حالة من التبعية والتوتر السياسي.
مطالب الشعب الجنوبي وأهمية الاستقلال
يؤكد المقال على أن مطالب الشعب الجنوبي بالاستقلال ليست مجرد طموحات سياسية نابعة من رغبة في الاستقلال، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتدهور ظروفه المعيشية. فمنذ تحقيق الوحدة، يعاني الجنوب من ضعف في الاستثمارات العامة، ونقص في البنية التحتية، وانهيار الخدمات، وكل ذلك أدى إلى شعور بالاستياء العميق لدى المواطنين. ويرى الشجيفي أن المطالبة بالاستقلال تعكس إحباط الجنوبيين من تجربة الوحدة التي لم تحقق لهم الاستقرار المعيشي، بل زادتهم فقرًا ومعاناة.
التحدي أمام الحكومة: تحسين الأوضاع أو التخلي عن الجنوب
يرى الشجيفي أن الحكومة تواجه الآن تحديًا صارخًا، حيث عليها أن تختار بين أمرين لا ثالث لهما: إما العمل بجدية على تحسين الأوضاع المعيشية للجنوبيين وإجراء إصلاحات حقيقية، أو التخلي عن الجنوب وتقديم الفرصة للجنوبيين ليقرروا مصيرهم السياسي. ويوضح أن التمسك بالوحدة يجب أن يترافق مع التزام حقيقي بتحسين ظروف الشعب وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والحكومة، لأن البقاء على الوضع الحالي سيؤدي فقط إلى تفاقم التوترات.
وفي هذا السياق، يدعو الشجيفي الحكومة إلى اتخاذ خطوات عملية لإظهار اهتمامها الحقيقي بالجنوب، بعيدًا عن الشعارات السياسية التي لم تعد تجدي نفعًا. ويرى أن حل الأزمات الاقتصادية والمعيشية يجب أن يكون أولوية، وأن تحقيق الوحدة لن يتم سوى من خلال تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
رسائل ضمنية للمجتمع الدولي
يوجه الشجيفي رسائل ضمنية للمجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن المظاهرات السلمية التي يخرج فيها الجنوبيون لم تلقَ دعمًا حقيقيًا من المجتمع الدولي، مما دفع الحكومة للتعامل مع هذه الاحتجاجات بقمع. ويعتقد أن التدخل الدولي قد يكون له دور في الضغط على الحكومة لتحسين الأوضاع وتلبية مطالب الجنوبيين، سواء المعيشية أو السياسية.
ويرى الكاتب أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية أخلاقية تجاه الشعب الجنوبي، وأن مساندته ستشكل ضغطًا على الحكومة لتبني سياسات اقتصادية أكثر عدلاً. ويوضح أن استمرار التدهور الاقتصادي سيؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والاحتقان، مما يهدد الاستقرار الإقليمي.
بين النداء للتغيير والبحث عن الاستقلال
يختتم الشجيفي مقاله بدعوة صريحة للجنوبيين إلى التكاتف والوقوف في وجه السياسات التي تسهم في تفاقم أزماتهم، ويحثهم على ألا يقبلوا بالتنازل عن حقوقهم في مقابل تحسينات اقتصادية سطحية قد تقدمها الحكومة. ويرى أن خيار الاستقلال يمثل طريقًا لإنهاء سنوات من التهميش الاقتصادي والسياسي، داعيًا المواطنين إلى التحرك لتحقيق تغيير شامل وليس فقط معالجة الأعراض.
ويمثل مقال الشجيفي دعوةً للحكومة للتعامل مع مطالب الجنوبيين بجدية ومسؤولية، بحيث تكون الوحدة نابعة من الرضا الشعبي والعدالة المعيشية، لا من الهيمنة السياسية أو الإكراه الاقتصادي.