في تحول جديد يعيد تشكيل ملامح الأزمة اليمنية، كشفت مصادر دبلوماسية غربية عن صفقة سرية كانت تعمل عليها الإدارة الأميركية الديمقراطية، لتهيئة اتفاق بين حزب الإصلاح اليمني (إخوان الشرعية) وجماعة الحوثيين بعيدًا عن تأثير التحالف العربي بقيادة السعودية.
وعلى مدار ثلاث سنوات، جرت مفاوضات مكثفة برعاية واشنطن في العاصمة العمانية مسقط، بدعم إيراني وتركي. لكن فوز الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية أدى إلى تعثر هذه الصفقة بشكل حاسم، ما أعاد الأمل للرياض في استعادة نفوذها الحاسم في الملف اليمني، بعد فترة من التوتر في العلاقات مع واشنطن.
تحولات السياسة الأميركية وانعكاساتها على الأزمة اليمنية
في مشهد يعكس عمق التعقيدات السياسية والدبلوماسية في الأزمة اليمنية، تكشف مصادر دبلوماسية غربية عن جهود حثيثة قادتها الإدارة الأميركية الديمقراطية، بقيادة الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، لإبرام اتفاق بين "إخوان الشرعية" اليمنية، ممثلين بحزب الإصلاح، وجماعة (الحوثيين)، وذلك بعيدًا عن تأثير التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
فمع إعلان فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، تزايدت المؤشرات على إجهاض هذا الاتفاق الذي عمل عليه المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بالتعاون مع عدة أطراف إقليمية ودولية، أبرزها إيران وتركيا وقطر، إلى جانب عمان التي استضافت غالبية المفاوضات. وتكشف هذه الصفقة، التي كانت في مراحل متقدمة، عن توجه دبلوماسي مغاير للديمقراطيين بشأن اليمن، وعن رغبة في إيجاد مسار بديل للتهدئة يخالف الرؤية التقليدية للتحالف الذي تقوده الرياض.
الصفقة: تفاصيل المحادثات والأطراف الراعية
بحسب المصادر، سعت الإدارة الأميركية الديمقراطية، منذ توليها السلطة في عام 2021، لإحياء المفاوضات بين جماعة الحوثيين و"إخوان الشرعية" ضمن مساعيها لحل الصراع في اليمن. وبرزت العاصمة العمانية، مسقط، كأرضية لهذه المحادثات، حيث عقدت اجتماعات عدة خلال أكثر من ثلاث سنوات، برعاية واشنطن ودعم إيراني وتركي في البداية، وهو ما يعكس مساعي الإدارة الديمقراطية لتوسيع دائرة التحالفات لتشمل قوى إقليمية، رغبة منها في إيجاد حل للأزمة بعيدًا عن النفوذ السعودي.
وقد أشارت المصادر إلى أن الصفقة كانت تهدف إلى استبدال القيادة المعترف بها دوليًا، والمتمثلة في الرئيس السابق عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، بتشكيل مجلس قيادة رئاسي من شأنه توحيد الجهود نحو السلام، وكان من المؤمل أن يؤدي هذا المجلس دورًا أكثر توافقًا مع الرؤية الأميركية لحل الأزمة، بعيدًا عن التدخل المباشر من الرياض، مما يسلط الضوء على خلافات واضحة بين واشنطن والرياض حول مسار الحل في اليمن.
عوامل الإعاقة والتجميد: تغيرات في التحالفات الإقليمية والدولية
رغم تقدم المحادثات، إلا أن الصفقة واجهت عدة عقبات. كانت البداية مع تعليق الاتفاق عندما بادرت السعودية، عبر التحالف العربي، إلى إخراج الرئيس هادي ونائبه من الساحة السياسية اليمنية، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي الحالي، وتزامنت هذه الخطوة مع الهدنة المستمرة منذ ذلك الوقت، مما أضعف مخرجات الصفقة وعطلها في إحدى مراحلها المتقدمة.
وفي سياق متصل، تأثرت الصفقة أيضًا بعودة قطر إلى الحضن الخليجي بعد المصالحة في قمة "العلا" عام 2021، وعودة العلاقات بين السعودية وتركيا، مما أضفى تعقيدًا إضافيًا على المشهد. فبحسب المصادر، كانت العلاقات المتوترة بين هذه الأطراف تلعب دورًا في تعزيز دعم الصفقة، لكن تقاربها حدّ من قدرة واشنطن على استكمال الاتفاق بنجاح، حيث أدى التغير المفاجئ في العلاقات إلى تجميد الصفقة لأكثر من مرة، رغم محاولات أميركية مستمرة لإعادة إحيائها.
التقارب السعودي الإيراني: تأثيره على الملف اليمني ومساعي الصفقة
أدت الخطوة السعودية للتقارب مع إيران، التي جرت برعاية صينية في أوائل 2023، إلى تعقيد الصفقة بشكل غير مسبوق، حيث كانت إيران تعتبر أحد الأطراف الراعية لهذه الصفقة مع واشنطن، مما أضعف قدرتها على التحرك بحرية في مسقط لدعم الحوثيين في مسار بديل عن الرياض، وجاء هذا التقارب السعودي الإيراني في سياق استراتيجيات أكبر من اليمن، متعلقة برغبة البلدين في حل قضايا الشرق الأوسط الأوسع، وخاصة في ظل التنافس الدولي والاقتراب من ملفات تهدد أمن المنطقة بشكل أكبر، مثل الأزمة الفلسطينية الأخيرة والحرب في غزة.
كما لفتت المصادر إلى أن اندلاع الحرب في غزة واتساع رقعتها لتشمل لبنان، مع دخول الحوثيين على خط التصعيد بتوجيه صواريخ تجاه إسرائيل، أثر على استمرارية الصفقة، فقد سعت الإدارة الأميركية الديمقراطية إلى إبقاء الملف اليمني بمنأى عن هذه الأزمات المتصاعدة، غير أن التطورات الإقليمية جعلت من الصعب تحقيق هذا الهدف، إذ اضطرت واشنطن ولندن إلى شن ضربات جوية ضد مواقع الحوثيين، وهو ما أطلق عليه "تحالف الازدهار"، مما وضع حدًا مؤقتًا للجهود الدبلوماسية الرامية لتسوية شاملة.
موقف السعودية وتحركاتها لإفشال الصفقة: استراتيجيات متعددة
تشير المصادر إلى أن المملكة العربية السعودية كانت على علم منذ وقت مبكر بمخطط الصفقة، وأنها اتخذت عدة خطوات استباقية للحيلولة دون إتمامها، إذ كانت الصفقة تهدف - وفقًا للتقديرات السعودية - إلى إضعاف دورها في اليمن وخلق توازن جديد يعيد صياغة القوى المؤثرة هناك.
وجاءت أولى خطوات الرياض عبر إخراج الرئيس هادي ونائبه الأحمر من المشهد السياسي وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وهو ما عدّ ضربة أولى للصفقة، في حين عملت على احتضان قطر بعد المصالحة الخليجية، مما ساعد في تقليل تأثير الدوحة على مسار الاتفاق. كما أن السعودية سارعت إلى التقارب مع تركيا بعد سنوات من الخلافات، وهي خطوة أخرى أثرت في إضعاف الائتلافات التي سعت واشنطن إلى تعزيزها لدعم الصفقة.
وقد جاء رفض الرياض للانضمام إلى "تحالف الازدهار" الذي أطلقته واشنطن لمواجهة الحوثيين في اليمن، وإصرارها على عدم السماح باستخدام قواعدها الجوية لشن هجمات على الأراضي اليمنية من قبل الولايات المتحدة، كجزء من موقف حاسم تجاه الصفقة، وأكدت بذلك موقفها المستقل في الأزمة اليمنية.
فوز ترامب: إنهاء لآمال الديمقراطيين وارتياح سعودي
مع فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، عادت العلاقات السعودية الأميركية إلى مسار أكثر توافقًا، بعد فترة من الفتور بين الرياض وإدارة بايدن، ومثّل فوز ترامب ضربة قاصمة لمساعي الديمقراطيين لإحياء الصفقة، إذ توقفت آمال واشنطن في إبرام الاتفاق بمطلع العام المقبل تحت إدارة جديدة لهاريس، بعدما سادت قناعة بعودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض.
وتشير المصادر إلى أن السعودية، وبعد سنوات من الضغوط والتوتر مع واشنطن، تنفست الصعداء بفوز ترامب، الذي يعتبر حليفًا قويًا لها، ما يجعل من عودة مسار الصفقة بعيدًا عن التأثير السعودي أمرًا مستبعدًا. كما أن فوز ترامب قد يعني إعادة النظر في سياسة أميركا الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وخصوصًا الملف اليمني، بما يعيد للرياض موقعها المحوري في هذا الملف الحساس.
مستقبل الصراع في اليمن في ظل التحولات الدولية والإقليمية
تطرح هذه التطورات تساؤلات مهمة حول مستقبل الأزمة اليمنية، إذ تبدو الصورة الراهنة شديدة التعقيد في ظل تعارض المصالح بين الأطراف الدولية والإقليمية، فبينما تسعى واشنطن لرسم مسار مستقل للتسوية في اليمن عبر دعم اتفاقات خارج النفوذ السعودي، تعمل الرياض على تأكيد دورها المحوري والمصيري في الملف اليمني، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار حالة الجمود السياسي لفترة قادمة، بانتظار ما قد تحمله السنوات القادمة من تحولات جديدة قد تغير مجرى الأحداث، أو تعيد رسم خارطة الصراع والتحالفات من جديد.
ومع استمرار النزاع الإقليمي والدولي على الساحة اليمنية، يظل اليمنيون الضحية الأكبر لهذه المعارك السياسية، في حين تبقى احتمالات الحل النهائي للأزمة رهينة للتفاهمات الدولية وتوافقات القوى الكبرى، التي لم تتحقق بعد.