في مقال سياسي يعكس رؤية عميقة للمشهد السياسي في اليمن، تناول الكاتب صالح علي الدويل باراس في تحليله الأخير تطورات الأحداث في عدن والعلاقات الإقليمية والدولية التي تؤثر على القضية الجنوبية.
مع التركيز على دور المجلس الانتقالي الجنوبي في تشكيل المسار السياسي في هذه الفترة الحرجة، يستعرض الكاتب التحديات الكبرى التي يواجهها الجنوب في ظل التكتلات السياسية التي يتم تحفيزها من قبل قوى إقليمية ودولية.
التغيير في قواعد اللعبة السياسية: أهمية التكيف مع الواقع
يبدأ الكاتب مقاله بتسليط الضوء على أهمية التكيف مع الواقع السياسي الذي فرضته القوى الإقليمية والدولية، موضحًا أن تصريحات الرفض أو الإدانة ليست كافية لتغيير الوقائع، بل ما يهم في هذه المرحلة هو القدرة على تغيير قواعد اللعبة نفسها أو على الأقل التكيف معها واستثمار الفرص الموجودة.
في هذا السياق، يؤكد الدويل باراس أن عدن، التي هي العاصمة المؤقتة للبلاد، تشهد تحولات معقدة نتيجة للضغط الدولي والإقليمي الذي يتصاعد بشكل مستمر، وأن المجلس الرئاسي الذي تم تشكيله لا يعكس بالضرورة إرادة الشعب الجنوبي بل هو نتاج تدخلات خارجية معقدة، لا سيما من دول مثل السعودية والإمارات، التي تلعب دورًا كبيرًا في تحديد المسار السياسي في اليمن.
ويشير الكاتب إلى أن القوى الإقليمية لم تترك للانتقالي الجنوبي خيار فرض إرادته بالكامل، بل فرضت توازنات معقدة أدت إلى تشكيل هذا المجلس المكون من خليط من القوى الجنوبية واليمنية، ما يعكس توازنات القوى الإقليمية والدولية. في هذه البيئة، يرى الكاتب أن الانتقالي ليس صاحب الكلمة الفصل في الجنوب بل هو جزء من معادلة سياسية أكبر، حيث تظل القوى الدولية هي صاحبة التأثير الأكبر.
قرار الانتقالي بعدم منع التكتلات السياسية في عدن: المصلحة العليا فوق الردات الشعبية
ثم يتناول الكاتب القرار السياسي الذي اتخذته قيادة المجلس الانتقالي بعدم منع الأحزاب والمكونات السياسية من الاجتماع في عدن. يرى الكاتب أن هذا القرار كان قرارًا حكيمًا سياسيًا، رغم ردود الأفعال الشعبية التي كانت ضد هذه الاجتماعات. ويعتبر أن المنع كان سيؤدي إلى خلق أزمة جديدة تضر بالقضية الجنوبية بشكل أكبر من الاجتماع نفسه، حيث كانت هناك مخاوف من أن يُصور منع هذه التكتلات كدعم للحوثيين أو محاولة لتفريق الصف الوطني في الجنوب.
ويوضح الكاتب أن هذه التكتلات لا تمثل سوى إعادة إنتاج لفشل سياسي سابق، حيث إن أغلب الوجوه والأسماء التي شاركت في هذه الاجتماعات هي نفسها التي فشلت في السنوات الماضية في إيجاد حلول للأزمة اليمنية. كما يعبر عن قناعته بأن هذه التكتلات السياسية هي "خردة سياسية" لا تقدم جديدًا ولا تحمل حلولًا حقيقية.
الدور الأمريكي والدعم الإقليمي: محاولة الفصل بين القوى السياسية والجهود الدولية ضد الحوثي
ينتقل الكاتب إلى تحليل الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في هذه التكتلات، مشيرًا إلى أن السفارة الأمريكية في عدن تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم ودعم هذه اللقاءات. الكاتب يرى أن هذا الدعم الأمريكي ليس مجرد اهتمام بالقوى السياسية في اليمن بقدر ما هو محاولة لتحديد السياسات التي ستقودها تلك التكتلات على الأرض. وتأتي هذه الجهود في سياق سعي الولايات المتحدة إلى الفصل بين التحركات السياسية والعسكرية ضد الحوثي، حيث تحاول بعض الأطراف الغربية، مدعومة من قبل الولايات المتحدة، تحفيز تكتلات جديدة لمواجهة الحوثيين على الصعيدين السياسي والعسكري.
ومع ذلك، يعبر الكاتب عن شكوكه في أن هذه التكتلات السياسية ستكون قادرة على تغيير الواقع على الأرض، مشيرًا إلى أن الدعم الذي تقدمه القوى الدولية لهذه التكتلات لا يتجاوز كونه محاولة لإيجاد توازنات جديدة في المنطقة، دون أن تكون هناك رؤية حقيقية للسلام أو الاستقرار في اليمن.
الاعتراض الشعبي: رسالة احتجاجية ضد التكتلات السياسية غير الممثلة للجنوب
يتناول الكاتب أيضًا رد الفعل الشعبي ضد هذه التكتلات السياسية، موضحًا أن المظاهرات الشعبية التي جرت في عدن كانت تعبيرًا عفويًا عن رفض الجنوبيين لأي تكتل سياسي لا يمثل تطلعاتهم الوطنية. يلفت الكاتب إلى أن هذه الاعتراضات كانت سلمية ولكنها قوية بما يكفي لتوجيه رسالة إلى القوى الدولية الداعمة لهذه التكتلات مفادها أن الجنوب لا يريد أن يكون جزءًا من هذه الجهود، وأن الجنوب لا يمثل هذه التكتلات التي تهدف إلى استغلال القضية الجنوبية لمصلحة أطراف خارجية.
ويعتبر الكاتب أن هذه الاعتراضات الشعبية تؤكد على أن الجنوب لديه رؤيته الخاصة بشأن مستقبله السياسي، وأن الشعب الجنوبي يجب أن يظل متمسكًا بحقوقه الوطنية وعدم الانجرار وراء التكتلات التي لا تخدم مصالحه.
أمريكا وأدواتها في اليمن: التركيز على القوى الفاعلة وليس الأحزاب
يوضح الكاتب أن الولايات المتحدة، رغم دعمها لبعض الأحزاب السياسية في اليمن، لا تهتم بالأحزاب أو التكتلات السياسية التي تفتقر إلى القوة الفعلية على الأرض. وبدلاً من ذلك، تركز أمريكا على دعم القوى القادرة على التأثير في مجريات الأمور على الأرض، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمتلك قاعدة شعبية وحضورًا سياسيًا قويًا في الجنوب. يشير الكاتب إلى أن هذا الدعم الأمريكي للقوى القادرة على التأثير سيستمر، خاصة في ظل الواقع الحالي الذي يشهد فيه الجنوب تصاعدًا في رغبة الشعب الجنوبي في استعادة دولته.
التأكيد على القضية الجنوبية: التمسك بالاستقلال الكامل
وفي الختام، يدعو الكاتب أبناء الجنوب إلى التمسك بقضيتهم الوطنية وعدم الانجرار وراء التكتلات السياسية التي لا تمثلهم. يعتقد الكاتب أن الجنوب يجب أن يظل متمسكًا بثوابته الوطنية، وألا يتأثر بأي محاولات للضغط عليه من قبل قوى إقليمية أو دولية تحاول تحويل القضية الجنوبية إلى جزء من صراعات إقليمية أوسع.
يدعو الكاتب إلى ضرورة الالتفاف حول المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة قادرة على قيادة النضال من أجل استعادة الدولة الجنوبية المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدودها قبل عام 1990، ويشدد على أن هذا هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحقق للجنوب الاستقرار والسيادة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.