عدن.. خروج الكهرباء ودخول بن دغر!
تواجه العاصمة عدن أزمة خانقة، حيث تتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، وتعيش المدينة تحت وطأة الفوضى. في الساعات الأخيرة، غرقت المدينة في الظلام نتيجة انقطاع الكهرباء عن معظم محطات التوليد، ما جعل السكان يتكبدون معاناة جديدة تضاف إلى سلسلة أزمات يومية تعصف بحياتهم. وبينما ينتظر المواطنون حلولاً جذرية للأزمة، تصدرت عناوين الأحداث إشهار كيان سياسي جديد تحت مسمى "التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية اليمنية"، برئاسة أحمد عبيد بن دغر، رئيس مجلس الشورى ورئيس الوزراء الأسبق، في خطوة تعتبرها بعض الأطراف محاولة لإعادة تدوير المشهد السياسي والأطراف القديمة التي فشلت في تحقيق الاستقرار.
يختصر الكاتب الجنوبي صلاح السقلدي حالة التناقض هذه بتعليقه الساخر: "عدن.. خروج الكهرباء ودخول بن دغر"، مشيراً بذلك إلى ازدواجية التعامل مع الأزمات التي تعاني منها المدينة، وإلى غياب الحلول التنموية وسط تصاعد الانقسامات السياسية داخل أروقة الشرعية.
الكواليس والأهداف: من وراء إنشاء التكتل الجديد؟
تحت إشراف أمريكي، تم الإعلان عن التكتل الجديد الذي يضم 23 كياناً سياسياً محسوباً على الشرعية، ويهدف - وفق ما جاء في الإعلان - إلى تعزيز وحدة الصف الوطني لمواجهة التحديات. إلا أن هذا التكتل الجديد لم يلقَ ترحيباً من قبل جميع القوى السياسية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن رفضه المشاركة فيه. حيث يعتبر المجلس أن هذا التكتل يلتف على "اتفاق الرياض" الموقع عام 2019 بين الحكومة والمجلس الانتقالي، والذي نص على الشراكة في السلطة وتقاسم المسؤوليات، كما يعترض الانتقالي على التكتل بحجة أنه يقوض التوازنات السياسية التي أرساها "مجلس القيادة الرئاسي" بقيادة رشاد العليمي.
يرى المجلس الانتقالي الجنوبي في هذا التكتل خطوة قد تؤدي إلى تمزيق التماسك الداخلي، وتُحدث شرخاً في معسكر الشرعية الذي يقف أمام الحوثيين. فالأطراف المكونة للتكتل هي في أغلبها قوى وأحزاب ليست لها قواعد شعبية مؤثرة على الأرض، ما يعني أن التكتل قد ينتهي ليكون مجرد لافتة شكلية تتكرر فيها أوجه الفشل ذاتها.
هل ينجح التكتل الجديد في تجاوز مصير سابقه؟
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الساحة السياسية اليمنية تشكيل كيان مشابه. فقد سبق أن تم الإعلان عن "التحالف الوطني للأحزاب السياسية الداعمة للشرعية" في سيئون بمحافظة حضرموت عام 2019، حيث أُعلن وقتها أن هدف التحالف هو توحيد الجهود السياسية لمواجهة تحديات المرحلة وإعادة هيكلة الشرعية. لكن، وبحسب ما يراه كثيرون، فشل هذا التحالف في تحقيق أهدافه الأساسية، إذ لم يتجاوز كونه واجهة سياسية تم استغلالها من قبل بعض الأطراف للهيمنة على السلطة وتقاسم الموارد. وعلى الرغم من تعيين رشاد العليمي - رئيس مجلس القيادة الرئاسي الحالي - رئيساً لهذا التحالف في حينه، فإن الأداء لم يحقق نجاحاً يذكر.
بن دغر: مهندس الكارثة الاقتصادية وأحد وجوه المرحلة السابقة
يترأس أحمد عبيد بن دغر التكتل الجديد، وهو شخصية محورية في المشهد السياسي اليمني، شغلت منصب رئيس الوزراء في أخطر مراحل الحرب (2016-2018)، والتي وصفها البعض بأنها "العصر الذهبي للفساد في الشرعية". كانت حقبته مليئة بالقرارات الاقتصادية التي لا تزال تداعياتها تعصف بالاقتصاد الوطني، وكان أبرز هذه الكوارث الاقتصادية طباعة أكثر من 2500 مليار ريال من العملة المحلية بدون غطاء نقدي من العملة الصعبة، ما أدى إلى انهيار قيمة الريال اليمني وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. ورغم رحيله عن منصب رئاسة الحكومة منذ ست سنوات، إلا أن الأزمات الاقتصادية المستمرة حتى اليوم، تعتبر - إلى حد كبير - إرثاً من تلك الفترة.
ويؤكد محافظ البنك المركزي الحالي، أحمد غالب المعبقي، في إحدى تصريحاته أن الفساد الذي عصف بالشرعية حينها ألقى بظلاله على الوضع المالي حتى الآن، إذ جرى إنفاق الأموال المطبوعة دون أي رقابة مالية واضحة. كانت الأموال تصل مباشرة من الميناء إلى السوق، لتستخدم في شراء الولاءات ومنح الهبات، وفق تعبيره، مما عمق الأزمة الاقتصادية وضاعف معاناة المواطنين.
الأزمة بين الانتقالي والشرعية: ما احتمالات التصعيد؟
يُعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي قوة سياسية وعسكرية رئيسية ضمن معسكر الشرعية، ويحظى بنفوذ واسع، خاصة في مناطق الجنوب. لذلك، فإن إعلان المجلس الانتقالي معارضته للتكتل الجديد، وإعلانه أنه سيحدد موقفه النهائي في وقت لاحق، يعكس توتراً محتملاً في العلاقة بين مكونات الشرعية. يخشى كثيرون من أن يؤدي هذا التوتر إلى تصعيد سياسي أو عسكري قد يعمق الانقسامات الداخلية ويضعف معسكر الشرعية في مواجهته مع الحوثيين، خاصة أن الانتقالي كان قد هدد في أكثر من مناسبة باتخاذ إجراءات من جانب واحد إذا ما شعر أن الاتفاقات مع الحكومة لا تُحترم.
إعادة تدوير الشخصيات في ظل غياب رؤية إصلاحية واضحة
في ظل هذا المشهد المعقد، يثير البعض تساؤلات حول مدى الحكمة في إعادة الشخصيات ذاتها إلى واجهة السلطة، دون مراجعة نقدية للأخطاء التي ارتكبت في الماضي. إذ يرى محللون أن شخصيات، مثل بن دغر، تمثل جزءاً من الأزمة الحالية، ولم تقدم حلولاً جذرية في المراحل السابقة، بل ساهمت في تعميق المشكلات. فالأحزاب السياسية والمكونات التي كانت ضمن التحالف الوطني السابق قد أظهرت انحيازاً واضحاً للمصالح الشخصية، وهو ما يجعل التكتل الجديد مجرد "إعادة تدوير للكارثة" التي ألمت بالمناطق المحررة.
تأثير التكتل على الشرعية ومستقبل الأزمة اليمنية
في ظل الانقسامات المتزايدة داخل الشرعية، بات التساؤل مطروحاً: هل يمكن للتكتل الجديد أن يحقق شيئاً مختلفاً هذه المرة؟ أم أنه سيواجه المصير ذاته للتحالفات السابقة، ويضاف إلى قائمة المبادرات الفاشلة؟ يرى مراقبون أن الشرعية بحاجة إلى إصلاحات حقيقية تتجاوز الأشكال الشكلية للاتفاقات، وتحتاج إلى خطوات ملموسة تتعلق بالإدارة والخدمات وتحسين حياة الناس اليومية.
الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها عدن والمحافظات الأخرى المحررة تجعل من التكتل الجديد أمام مهمة شبه مستحيلة. فمع تزايد معدلات البطالة، وتدهور الخدمات العامة، وتفاقم انقطاع الكهرباء والماء، يظل المواطنون يبحثون عن حلول عملية لهذه الأزمات. بينما تستمر الحكومة في التركيز على المناورات السياسية، وتشكيل كيانات غير مؤثرة، يُخشى أن تزداد الأوضاع سوءاً إذا لم يتم إعادة النظر في أساليب إدارة الملف اليمني برمته.
يشير إعلان التكتل الوطني الجديد إلى إشكالية عميقة تتعلق بالكيفية التي تدار بها الأزمات في اليمن، في ظل استمرارية السياسات السابقة التي أدت إلى انهيار الخدمات وتعميق الفساد. وبينما تواجه الشرعية تحديات كبرى على الجبهات المختلفة، من الواضح أن إعادة تدوير الشخصيات نفسها، من دون إصلاحات جوهرية، لن يكون كافياً لمعالجة المشكلات المتفاقمة. يبدو أن المطلوب ليس مزيداً من الكيانات السياسية، بل رؤية جديدة قادرة على تحقيق استقرار حقيقي وملموس للمناطق المحررة، وقطع الطريق أمام الانقسامات السياسية التي قد تعصف بآخر ما تبقى من تماسك في صفوف الشرعية.