آخر تحديث :الخميس - 20 فبراير 2025 - 10:38 م

من كأس السم إلى فوضى بيروت.. إيران تكرر تكتيكات الهروب من الهزيمة

الأربعاء - 19 فبراير 2025 - الساعة 12:05 ص

هاني سالم مسهور
الكاتب: هاني سالم مسهور - ارشيف الكاتب


​في بيروت، حيث تتكرر مشاهد الفوضى المدروسة، يبدو أن هناك ما هو أبعد من مجرد اضطرابات داخلية. قطع الطرقات، التوترات الأمنية، والتحركات المشبوهة في محيط مطار بيروت ليست سوى انعكاس لأزمة أكبر تتجاوز حدود لبنان.

إنها جزء من إستراتيجية إيرانية مأزومة تحاول، كما اعتادت، شراء الوقت والمناورة على حافة الهاوية. لكن هذه المرة، تبدو طهران في موقع أضعف بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى، خاصة مع وجود رئيس أميركي في البيت الأبيض مستعد لاتخاذ قرارات حاسمة تجاه مشروعها النووي، وقيادة إسرائيلية قد لا تجد توقيتا أنسب لتنفيذ ضربة استباقية.

إيران التي بنت نفوذها الإقليمي على تصدير الأزمات تجد نفسها اليوم عاجزة عن فرض الوقائع كما فعلت سابقا. في سوريا، تضاءل دورها أمام التمدد الروسي الذي فرض قواعد جديدة للعبة. في العراق، تواجه رفضا شعبيا متزايدا ضد ميليشياتها، ما يجعل سيطرتها على بغداد أضعف من أي وقت مضى.

في اليمن، تخسر أوراقها تدريجيا مع الضغوط الدولية المتزايدة على الحوثيين، الذين باتوا في وضع هش أمام العقوبات الأميركية وإعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية. أما في لبنان، فالوضع أكثر تعقيدا. حزب الله، الذي كان أداتها الأقوى، لم يعد قادرا على المناورة بحرية، بعد أن وجد نفسه مضطرا إلى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المهين مع إسرائيل وفقا للقرار 1701. ورغم محاولاته المستمرة لاستعراض قوته عبر افتعال الأزمات الداخلية، إلا أن الواقع يشير إلى أن الحزب بات في موقع دفاعي، غير قادر على الذهاب إلى مواجهة مباشرة وغير مؤهل للعب دوره السابق كذراع هجومية لطهران.

وسط هذا التراجع، تحاول إيران تبني إستراتيجية “إشعال الحرائق المحدودة” في لبنان، لخلق انطباع بأنها لا تزال لاعبا رئيسيا في المنطقة. الفوضى التي تحركها في بيروت، خصوصا حول مطارها، ليست مجرد أعمال شغب، بل رسائل تهديد موجهة إلى الداخل اللبناني والخارج الإقليمي والدولي.

الهدف هو توجيه إنذار بأن أي محاولة لعزلها أو تقويض نفوذها ستؤدي إلى انفجار الوضع، ليس فقط في لبنان، بل ربما في المنطقة بأكملها.

لكن هذه الإستراتيجية لم تعد فعالة كما في السابق، فالعالم يدرك أن إيران أضعف من أن تشعل حربا شاملة، وأن كل ما تفعله الآن هو محاولة كسب الوقت.

على الجانب الآخر، هناك إسرائيل، التي لم تتوقف عن اعتبار المشروع النووي الإيراني تهديدا وجوديا. بنيامين نتنياهو، الذي طالما سعى إلى تنفيذ ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية، بات اليوم في موقع أكثر قدرة على اتخاذ القرار.

مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، لم يعد يحتاج إلى إقناع إدارة أميركية مترددة، بل لديه رئيس داعم لأي تحرك إسرائيلي يستهدف إيران. ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، وفرض أقسى العقوبات على طهران، ليس بعيدا عن اتخاذ قرارات أكثر جرأة في ولايته الجديدة، خاصة إذا رأى أن إيران تقترب من امتلاك القدرة النووية.

إسرائيل تعلم أن إيران تحاول تأجيل المواجهة، لكنها في الوقت ذاته تدرك أن هذا هو التوقيت المثالي لتوجيه ضربة حاسمة. فإيران ليست فقط ضعيفة عسكريا واقتصاديا، بل تواجه أيضا انقسامات داخلية وضغوطا متزايدة على مستوى سياساتها الخارجية. الضربة الإسرائيلية لم تعد مجرد احتمال، بل أصبحت أقرب إلى مسألة وقت، خاصة إذا شعرت تل أبيب أن طهران على وشك الوصول إلى نقطة اللاعودة في برنامجها النووي.

رغم كل هذه الضغوط، لا يمكن تجاهل أن إيران تمتلك واحدة من أكثر العقليات السياسية عنادا في المنطقة. النظام الإيراني لا يعترف بالهزيمة حتى لو تجرع كأس السم، تماما كما فعل الخميني حين أجبر على قبول وقف إطلاق النار مع العراق عام 1988، لكنه رفض الاعتراف الكامل بالهزيمة واستمر في تبني سياسات توسعية. هذه العقلية تعني أن إيران قد تحاول تأخير الضربة الإسرائيلية عبر إشعال المزيد من الأزمات، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق. لكنها تدرك، في قرارة نفسها، أن هذه المرة ليست كسابقاتها، وأن هامش المناورة بات أضيق من أي وقت مضى.

من اللافت أن إيران، التي تدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية، كانت الأضعف سياسيا في المشهد الجديد الذي يفرض نفسه على غزة. الرئيس ترامب طرح تصورا خطيرا يقضي بتهجير سكان القطاع، وهو سيناريو كان يمكن أن يشعل المنطقة، لكن طهران لم تحرك ساكنا. لم تصدر منها سوى تغريدات المرشد خامنئي عبر حسابه على منصة إكس، في مشهد يكشف ضعف قدرتها على التأثير في ملفات مصيرية. هذا التجاهل الإيراني يعكس حقيقة واضحة: إيران فقدت القدرة على فرض بصمة سياسية حتى في أكثر القضايا التي استثمرت فيها عقودا من الخطابات والشعارات.

رهان إيران على الفوضى في لبنان كوسيلة لتأخير الضربة قد لا يكون مجديا. إسرائيل، إذا قررت التحرك، لن تبالي بتحركات حزب الله أو اضطرابات بيروت، لأن القرار الذي ستتخذه سيكون مرتبطا بحسابات إستراتيجية تتجاوز الحسابات الإقليمية الصغيرة. وإذا كان حزب الله يأمل في أن يكون عنصر ردع، فإن الواقع يقول إن قدرته على منع الضربة الإسرائيلية باتت شبه معدومة. فالحزب نفسه يخوض معركة بقاء داخل لبنان، ولم يعد في موقع يسمح له بمغامرة قد تجر عليه تداعيات كارثية.

في النهاية، إيران لم تعد قادرة على تغيير موازين القوى كما فعلت في السابق. كل ما تستطيع فعله الآن هو محاولة تأجيل المصير المحتوم، لكن اللعبة التي كانت تجيدها أصبحت مكررة، والعالم لم يعد يراها بنفس النظرة السابقة. السؤال الآن لم يعد: هل ستحدث الضربة؟ بل متى ستقرر إسرائيل تنفيذها، وهل سيكون ذلك قبل أن تتمكن إيران من المناورة مجددا، أم بعد فوات الأوان؟
عن "العرب اللندنية"




شاهد أيضًا

الريال اليمني بين عدن وصنعاء.. عملة واحدة بأسعار متعددة! ...

الخميس/20/فبراير/2025 - 07:45 م

شهدت أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني تباينًا ملحوظًا بين العاصمة عدن والعاصمة اليمنية صنعاء، اليوم الخميس، 20 فبراير 2025، في ظل استمرا


مفاجآت جديدة في قضية مقتل اللواء العبيدي بمصر ...

الخميس/20/فبراير/2025 - 07:20 م

​قررت محكمة جنايات مستأنف جنوب القاهرة تأجيل جلسة محاكمة المتهمين بإنهاء حياة المسؤول العسكري اليمني اللواء حسن العبيدي داخل مسكنه بمحافظة الجيزة لجلس


مع اقتراب رمضان.. موظفو هيئة البحوث يتظاهرون لإنقاذ أسرهم من ...

الأربعاء/19/فبراير/2025 - 01:20 م

تظاهر العشرات من موظفي الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعية أمام مقر وزارة المالية، احتجاجًا على توقف رواتبهم منذ خمسة أشهر، الأمر الذي فاقم معاناته


تفاوت حاد في أسعار الصرف بين المحافظات.. وخبراء يحذرون من تد ...

الأربعاء/19/فبراير/2025 - 08:32 ص

شهدت أسعار صرف العملات الأجنبية صباح اليوم الأربعاء، 19 فبراير 2025، استقرارًا نسبيًا في العاصمة عدن ومحافظة حضرموت، في حين استمر التفاوت الكبير بينها