لا تزال التطورات السياسية في الجنوب اليمني تعكس صراعًا معقدًا بين طموحات الجنوبيين لإعادة بناء دولتهم المستقلة، والأجندات الإخوانية التي تسعى للهيمنة على مسار السلطة، سواء شمالًا أو جنوبًا.
يعاني الجنوب من تهديد مستمر يتمثل في مشاريع "التقسيم" التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين، مدعومة بقوى إقليمية ودولية، وعلى رأسها تركيا وقطر، بهدف بسط نفوذها والسيطرة على الثروات النفطية والمواقع الاستراتيجية.
ثورة 11 فبراير وتداخلات حزب الإصلاح:
استغل حزب التجمع اليمني للإصلاح ثورة 11 فبراير 2011 التي اندلعت في شمال اليمن، لتأسيس نفوذ جديد يتجاوز السيطرة العسكرية، إلى محاولة فرض رؤيته الفكرية والسياسية، حيث قدم نفسه باعتباره الممثل الوحيد للثورة، لكنه سرعان ما حرف مسارها بما يخدم أجندات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، واستغل حالة الفراغ السياسي والأمني بعد الثورة لترسيخ نفوذه في مناطق شمال اليمن، وخاصة في تعز ومأرب، وتمدد جنوبًا في محاولات فاشلة للتأثير على الحراك الجنوبي واستقطاب القيادات المحلية هناك.
مشروع "الإقليم الشرقي":
منذ انطلاق الحوار الوطني في 2013، دفع الإصلاح نحو مشروع "الأقاليم"، الذي تضمن تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، منها "الإقليم الشرقي" الذي يشمل حضرموت، المهرة، وأجزاء من شبوة، وهو ما يُنظر إليه على أنه محاولة للسيطرة على الثروات النفطية التي يزخر بها الجنوب، ويهدف هذا المشروع إلى تمزيق النسيج الاجتماعي والاقتصادي الجنوبي لصالح أجندة الإصلاح، حيث تُعتبر السيطرة على الموارد الطبيعية والاقتصادية هدفًا استراتيجيًا للإخوان لضمان بقائهم في الساحة السياسية.
رفض شعبي جنوبي:
واجهت هذه الخطط رفضًا شعبيًا قويًا من قِبَل أبناء الجنوب، الذين يرون في هذه المشاريع تهديدًا لطموحاتهم الوطنية، واستمرارًا لمحاولات الهيمنة الشمالية، وتجسد هذا الرفض في تعزيز الدعم للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمثل رغبة الجنوبيين في استعادة دولتهم المستقلة بعيدًا عن مشاريع الهيمنة الإخوانية، ولعل المواجهات المسلحة بين القوات الجنوبية وميليشيات الإصلاح في شبوة وحضرموت تعكس مدى تعقيد المشهد السياسي والعسكري في تلك المناطق.
الإمارات والإخوان.. صراع مفتوح:
لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة لاعبًا رئيسيًا في اليمن، وتحديدًا في الجنوب، فقد دعمت المقاومة الجنوبية بشكل واضح وفعّال منذ انطلاق عاصفة الحزم، وحققت انتصارات ميدانية كبيرة على الحوثيين وتنظيم القاعدة، وأثار هذا الدور الإماراتي غضب الإخوان المسلمين، الذين يرون في الإمارات عائقًا أمام تنفيذ أجندتهم في الجنوب، ولا تزال وسائل إعلام الإصلاح ومنصاته الرقمية تهاجم الإمارات بشكل مستمر، متهمة إياها بعرقلة "الشرعية" في اليمن، في حين يراها الجنوبيون شريكًا استراتيجيًا في معركتهم ضد الحوثيين والإرهاب.
الجنوب في مواجهة مشروع الإخوان:
بالرغم من التحديات العديدة التي تواجه الجنوب، إلا أن طموحات الجنوبيين لاستعادة دولتهم لا تزال حية وقوية، ويحاول حزب الإصلاح أن يستغل الفوضى في اليمن عبر تعميق الانقسام بين الشمال والجنوب، وتوظيف ورقة "الشرعية" لتمديد نفوذه في مناطق الثروات الجنوبية، ومع ذلك، فإن الوعي الشعبي الجنوبي المتزايد بخطورة هذه الأجندات، والدعم الدولي المتزايد لقضية الجنوب، يعززان موقف الحراك الجنوبي وقواته المسلحة في مواجهة هذه المخططات.
المستقبل القريب.. سيناريوهات متوقعة:
يواجه الجنوب اليوم سيناريوهات معقدة في ظل الصراع مع الإخوان المسلمين، وقد يستمر الإصلاح في محاولاته لزعزعة استقرار الجنوب عبر دعم جماعات متطرفة مثل القاعدة، ومحاولة استغلال الفوضى الأمنية لتعزيز موقفه التفاوضي، وفي المقابل، يعتمد مصير الجنوب على قدرته في الحفاظ على تماسكه الداخلي، وتعزيز التحالفات الدولية والإقليمية، وخاصة مع دول التحالف العربي وعلى رأسها الإمارات والسعودية.
في ظل هذه التحولات، تبقى الأسئلة قائمة حول قدرة الجنوب على مواجهة هذه التحديات، وحول مدى استمرار مشروع الإخوان المسلمين في التمدد، ويبقى الأمل معقودًا على وعي الشعب الجنوبي وإصراره على استعادة دولته، وعلى الدعم الدولي الذي قد يكون حاسمًا في مواجهة المخاطر المحدقة بالمنطقة.