ينفق الكثير من أولياء الأمور في بلادنا وغيرها من بلدان العالم أموالا طائلة للاستثمار في أبنائهم من خلال التعليم الجامعي ، فهناك عشرات الآلاف يدخلون الجامعات كل عام ، ومثلهم تقريبا يتخرجون سنويا من الجامعات في مختلف التخصصات ، معتقدين أن دراستهم الجامعية ستقودهم إلى فرص عمل أفضل، وقد يكون هذا صحيحا في بعض الأحيان ، لكن في الكثير من الأحيان يخرجون إلى رصيف البطالة، بسبب عدم توفرهم على المهارات والقدرات المناسبة التي يحتاج إليها الشباب في عالم يتطور يوميا من حولنا.
لذلك يعاني الشباب الحاصلون على شهادات جامعية من معدلات بطالة أعلى من أقرانهم الأقل تعليما، لأن معظم الفرص المتاحة هي وظائف منخفضة المهارات، أو لعدم ملاءمة التخصصات الجامعية التي يدرسونها لسوق العمل.
ففي بلد كاليمن قد تجد شاب ذا تعليم بدائي يعمل كبائع مجلجل ـ أو بائع متجول بعربة أو غيرها ، أفضل ماديا ودخلا بكثير من قرينه الشاب المتعلم والحاصل على شهادة جماعية .
أيضا هناك عمال شباب يعملون في بعض المقاهي بمبلغ يزيد عن عشرة ألف ريال يوما ، بينما قرينه الحاصل على شهادة جامعية لا يحصل على وظيفية حكومية أو في شركة خاصة بمبلغ ستون ألف ريال شريها.
وزارة التعليم في حكومة التغيير والبناء
مفارقة عجيبة تدعو وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي ، والتي جمعت في التشكيل الحكومي الجديد عمل ثلاث وزارات خاصة بالتعليم إلى البحث عن السبب ، والممتثل في وجود تخصصات عفا عليها الزمن ،ولم تعد تخدم سوق العمل، وأنه لا بد من تحديث هذا التخصصات، وكذلك تحديث المناهج الدراسية في مختلف التخصصات ،وإعادة النظر في مخرجات العديد من التخصصات التي لم تعد الدراسة فيها مجدية ، وأن توجد وسائل وطرقا تقلل من نسبة إقبال الطلبة على تلك الأقسام والتخصصات الغير ملاءمة حاليا مع سوق العمل.
شباب يعملون في أعمال بعيدة عن تخصصاتهم
كاتب الأسطر على سبيل المثال حاصل على درجة البكالريوس تخصص أثار قديمة بدرجة جيد ، من جامعة صنعاء في العام 1999م وعند ذهابه للتقديم لوظيفة في ذلك الوقت لهيئة الآثار بصنعاء رد عليه رئيس الهيئة أنه لا يوجد إلى وظائف لحراس للمواقع حاصلين على الشهادة الابتدائية بالكثير، بالرغم أن خريجي الآثار كانوا في ذلك العام لا يزيدون عن 30 طالبا وطالبة، وهكذا سنويا.
وهناك الكثير من الخريجين في مختلف التخصصات ، خاصة في الدراسات الأدبية كعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس والدراسات الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا ووووالخ الكثير لا يجدون أي أعمال، إلا في تخصصات غير تخصصاتهم وفي الأغلب مدرسين للصفوف الأولى، مثلا الكثير من حاملي شهادة البكالريوس في إدارة الأعمال، خاصة الكادر النسائي يعملن حاليا كمدرسات في المدارس الخاصة ، يدرسن الصفوف الابتدائية ، بمبالغ زهيدة لا تزيد عن الأربعين والخمسين ألف ريال ، وقس على ذلك الكثير ..
لذا نلاحظ أن شوارعنا مزدحمة بالدراجات النارية ، ومعظم سائقيها هم من ذوي الشهادات الجامعية ، وهناك مثلهم يعملون في بيع القات ، وما إلى ذلك في أهدار كبير للطاقات ولجهود الدولة التعليم .
ارتفاع الرسوم
فجامعة صنعاء ، وهي أكبر وابرز جامعة يمنية ، والتي بدأ العمل بها في سبعينات القرن الماضي ، وغيرها من الجامعات لا تزال تدرس تخصصات بدائية للغاية ، والتخصصات المطلوبة لسوق العمل كالذكاء الاصطناعي، أو الأمن السبراني ، أو غيرها من التخصصات الهامة ، يجد الطالب الراغب في دراسة هذه التخصصات الكثير من التعقيدات، أبرزها ارتفاع الرسوم الدراسية فيضطر للدراسة في مجال وتخصص آخر تكون رسوم دراسته الجامعية اقل مما يرغب ، فيجد بعد أربع سنوات أن درس شيء لم يستفيد منه في حياته العملية ،ولم يستفيد أيضا علميا ، وبالتالي لا عمل ولا علم خرج به .
البنك الدولي
تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلى إحداث أكثر من 300 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2050 لتوفير فرص العمل للشباب، وهذا الرقم يكاد أن يكون ضعف عدد الوظائف الموجودة حاليا في الولايات المتحدة.
وما لم تتحرك الحكومات العربية الآن ومنها بالتأكيد اليمن وهي ما تهمنا ، وتستثمر في التعليم الجيد المتسق مع السوق والتطورات الكبرى التي تجري في العالم اليوم، فإن العديد من الشباب سيحصدون خيبة الأمل في حياتهم ،وستهدر طاقاتهم وستهدر الدولة الكثير من الأموال في تعليم لا جدوى منه، وفق العديد من المتخصصين.
فالتطورات التكنولوجية المتسارعة، وتغير سوق العمل في العالم، واختفاء عدد كبير من الوظائف والمهن التي كانت رائجة قبل سنوات، ودخول مهن ووظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل، أخذت الجامعات والمعاهد الأكاديمية والمهنية في العالم بإلغاء تخصصات جامعية عديدة بسبب عدم حاجتها إليها في سوق العمل، والبطالة الكبيرة المتفشية بين الخريجين، كما أخذت جامعات ومعاهد العالم في افتتاح أقسام وتخصصات جديدة تتسق مع التغيرات الكبيرة الحاصلة في السوق.
1- علوم الحاسوب
قد يبدو حصولك على درجة علمية في علوم الحاسوب بمثابة خطوة في الطريق الصحيح، خاصة مع الطلب المتزايد على الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا، ولكن هذا ليس صحيحا لسبب بسيط وهو أن الوظائف التي عليها طلب حاضرا ومستقبلا هي مهن ووظائف أكثر تخصصا مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، والأمن السيبراني وغيرها من التخصصات الدقيقة، بينما علم الحاسوب هو منهاج عام يعطيك نبذة غير متعمقة وغير متخصصة بقدر كاف، مما يعني أن الطلاب لا يتعلمون سوى القليل عن كل موضوع، وهو ما يهدد فائدة هذه الدرجة الجامعية في سوق العمل.
2- علم الأحياء (البيولوجيا)
إن درجة البكالوريوس في علم الأحياء موجهة نحو النظرية وليس الممارسة والبحث والتطبيق. ونتيجة لذلك، فإن المعرفة والقدرات التي تكتسبها كطالب في علم الأحياء ستترك لك إمكانيات قليلة للتوظيف، فلا يوجد شركات كثيرة تهتم بمثل هذا التخصص، وستواجه منافسة شرسة على الوظائف القليلة المتاحة إذا كنت حاصلا فقط على درجة البكالوريوس في علم الأحياء.
لهذا إذا كنت مهتما بهذا التخصص فهناك بديل أفضل مثل علوم المختبرات السريرية الذي يؤدي لفرص وظيفية أكثر نجاحا حيث يمكنك العمل كفني مختبر، أو بائع معدات طبية، أو في وحدة المختبر في المستشفيات العامة والخاصة، كما تؤهلك هذه الشهادة لفتح مختبر خاص بك في المستقبل.
3- الأنثروبولوجيا والآثار
قد يبدو من المغري دراسة أصل البشر وتطورهم وسلوكهم وآثارهم، ولكن ما لم تكن راغبا في الدراسة حتى تحصل على شهادة الدكتوراه، فإن درجة البكالوريوس بهذا التخصص ليست مناسبة للحصول على وظيفة مجزية.
وعلى الرغم من وجود وظائف للخريجين الحاصلين على درجة في الأنثروبولوجيا والآثار، فإن هذه الوظائف قليلة جدا وغير متكررة.
4- السياحة والسفر
في عالم وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المتخصصة في السياحة والسفر مثل “بوكينغ” و”أغودا” وغيرها الكثير فإن الحاجة لتخصصات مثل السياحة والسفر والترفيه والضيافة لم يعد له معنى، حيث يستطيع أي شخص أن يحجز بسهولة لأي بلد أو مكان يريد السفر إليه، كما يستطيع الحصول على أرخص التذاكر، وأفضل حجوزات الفنادق من خلال هذه المنصات دون الحاجة لدفع المال لمكاتب السياحة والسفر، أيضا يستطيع السائح أو المسافر الحصول على ما يريد من المعلومات عن الأماكن السياحية والأثرية التي يريد زيارتها، وغالبا ما يشكو موظفو وكالات السفر من أجورهم الضئيلة، وجداول العمل غير المنتظمة، وقلة العملاء.
5- اللغات الأجنبية
تعلم لغة أجنبية يفتح الأبواب أمام ثقافات جديدة ووجهات نظر جديدة، كما أنه يزيد من الوعي بالقضايا الاجتماعية والثقافية المتعلقة ببلد أو شعب معين. ومع ذلك، هناك عدد لا يحصى من المتحدثين بلغات ثانية تعلموا خارج أي فصل دراسي، أو جامعة.
ومع ثورة التعلم عن بعد وبرامج ومواقع وتطبيقات تعليم اللغات عبر الإنترنت، يستطيع أي شخص تعلم اللغة التي يريدها بسهولة أو صقل كفاءته بلغة ما دون الحاجة لإنفاق مبالغ كبيرة من المال في المعاهد والجامعات.
بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال مواقع التوظيف عن بعد مثل “أب وورك” (Upwork) “وفري لانسر” (Freelancer) وغيرها أصبح من السهل وبأسعار معقولة للغاية توظيف معلم لغة من البلد الذي تريده والعمل معه.
6- علم النفس
علم النفس هو الدراسة العلمية لكيفية عمل العقل البشري وكيف يؤثر على السلوك الإنساني، ويشمل ذلك استكشاف كيفية عمل العقل وطرق تفكيره، ويمكن للطلاب دراسة جوانب مختلفة من علم النفس، مثل النظريات “الاجتماعية والإدراكية وغير الطبيعية والشخصية والتنموية”.
السبب وراء إدراجها في القائمة هو أن درجة البكالوريوس في علم النفس وحدها لن تؤهلك لتصبح طبيبا نفسيا، وفي الواقع، حتى درجة الماجستير في علم النفس ليست كافية أيضا. يجب أن تحصل على درجة الدكتوراه في هذا التخصص، وهذا يعني أن أمامك طريقا تعليميا طويلا جدا يتجاوز درجة البكالوريوس.
وهناك مجالات وظيفية أخرى لها مثل مرشد تربوي أو نفسي في المدارس وبعض المؤسسات، ولكن الطلب على مثل هذه الوظائف قليل والمنافسة شرسة بسبب كثرة الخريجين.
7- علم المكتبات
في زمن المكتبات الرقمية التي تحوي ملايين الكتب، ويمكن تحميلها وقراءتها خلال دقائق، لم يعد هناك معنى لتخصص علم المكتبات، حيث يواصل معظم خريجي تخصص علوم المكتبات مسيرتهم الدراسية ليصبحوا أمناء مكتبات أو عاملين بها بعد التخرج، ولكن للأسف، تتلقى المكتبات في مختلف أنحاء العالم تمويلا أقل فأقل، ولا تستطيع دفع رواتب مجزية للعاملين بها.
8- الفنون الجميلة والموسيقى
مع معدل بطالة مرتفع بين خريجي الفنون الجميلة وفق ما ذكرت منصة “موني وايز”، فإن آفاق المهنة قاتمة للغاية. يتم توظيف خريجي الفنون الجميلة في أغلب الأحيان كمدرسين للفنون، ومتعهدين للحفلات، ولكن الوظائف قليلة والفرص ضئيلة ومن الصعب الحصول على وظيفة براتب عال من خلال هذا التخصص.
وينطبق الشيء نفسه على تخصص الموسيقى إذ إن أغلب المشاهير في صناعة الموسيقى لا يحملون أي شهادة في الموسيقى على الإطلاق! بل إنهم وصلوا إلى ما هم عليه الآن بفضل حبهم وشغفهم وموهبتهم في الموسيقى ــ أو في بعض الحالات بفضل آبائهم أو أقاربهم أو ثرواتهم المتوارثة.
9- الفلسفة والتاريخ
الفلسفة مجال دراسي مثير للاهتمام ولكنه نظري ولا مكان له في سوق العمل اليوم. ربما يمكنك الحصول على وظيفة أستاذ فلسفة، لكن هذا يتطلب سنوات أكثر من الدراسة والخبرة.
وينطبق نفس الشيء تقريبا على التاريخ، فما يمكن توقعه من درجة البكالوريوس في التاريخ واضح للغاية، حيث ستدرس الأحداث التاريخية، بما في ذلك أسبابها وتأثيراتها، والأشخاص الرئيسيين المشاركين في هذه الأحداث، ويمكن للطلاب التخصص أكثر في تاريخ منطقة معينة أو حقبة زمنية مثل تاريخ الدولة العباسية أو تاريخ الأندلس أو أميركا اللاتينية.
الشيء الصعب هو الحصول على وظيفة بعد التخرج، فلا يوجد الكثير من المجالات المهنية التي تنطبق بشكل مباشر على هذا التخصص ما عدا تدريس التاريخ في المدارس وهو مجال ضيق ومحدود للغاية.
10- ريادة الأعمال
إن الحصول على درجة علمية في ريادة الأعمال كتخصص مستقل لا طائل منه، فأغلب رواد الأعمال لم يدرسوا هذا التخصص بل اعتمدوا على خبراتهم في العمل والحياة وليس إلى الدراسة في الفصول الجامعية.
وإذا كنت تريد أن تصبح رائد أعمال ناجحا، فأنت بحاجة إلى معرفة شاملة بالأعمال التجارية، ولا تحتاج إلى درجة علمية للحصول على هذه المعرفة. ومع ذلك، يمكنك الالتحاق بدورات مختلفة في ريادة الأعمال لإعدادك لبدء عملك الخاص