آخر تحديث :الخميس - 06 فبراير 2025 - 03:44 م

منوعات

لماذا تُشخَّص النساء باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في مراحل متأخرة من حياتهن؟

الخميس - 06 فبراير 2025 - 11:23 ص بتوقيت عدن

العين الثالثة/ متابعات

كان أدائي في المدرسة جيداً، لكنني كنت أشعر دائماً بأنني مختلفة عن أقراني، كنت أكافح للتركيز في الدروس، وكان يصعب عليّ حتى فهم أسئلة الامتحانات" هذا ما قالته عائشة، وهي أكاديمية من تركيا تبلغ 38 عاماً. قادتها معاناتها إلى إدراك أنها تعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. وعائشة هي واحدة بين عدد متزايد من النساء حول العالم شُخّصن بهذه الحالة عندما أصبحن بالغات.

كانت عائشة تتابع دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في الجغرافيا الحضرية في المملكة المتحدة، عندما جعلتها الدراسة المضنية تشعر بالاستنزاف، وعدم القدرة على التركيز، والإرهاق العاطفي.

وقالت عائشة: "غالباً ما كنت أتأخر عن المواعيد، أو أضيّع المواعيد، أو أخلط بين أيامي، أو أضيّع أشياء مثل محفظتي أو مفاتيحي".

في نهاية المطاف، تسبب الإرهاق الشديد في فقدان عائشة المنحة الدراسية التي حصلت عليها بشق الأنفس، بتمويل من الحكومة التي سمحت لها بالدراسة في المملكة المتحدة، واضطرت للعودة إلى تركيا محمّلة بديون ضخمة، لكن تشخيص عائشة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة كان يمثل لها إنجازاً حقيقياً.

وأوضحت عائشة ذلك وهي تسترجع الماضي: "لأول مرة في حياتي، شعرت أخيراً بأنني شخص بالغ ولديّ قدر من التحكم في أفكاري ومشاعري".

* ما هو اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة؟

اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة يعد حالة مرتبطة بنمو الدماغ. وتشمل الأعراض الرئيسية فرط النشاط أو الحركة والسلوك الاندفاعي وصعوبة في التركيز. كما تشمل الأعراض أيضاً فرط التركيز، أو التفكير المستمر في موضوع محدد.

وتشير التقديرات إلى أن مئات الملايين مصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، دون أن يدركوا ذلك في الغالب.

ويعد هذا الاضطراب أحد أكثر اضطرابات الطفولة شيوعاً في العالم، وغالباً ما يرتبط بالأولاد ذوي النشاط المفرط، لكن معدلات التشخيص ترتفع في جميع الفئات العمرية.

ويقول الخبراء إن المزيد من البالغين، خاصة النساء، يكتشفون أنهم مصابون بهذه الحالة.

ويعتقد الدكتور أولريتش مولر-سيدجويك، المتخصص في اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في الكلية الملكية للأطباء النفسيين في المملكة المتحدة، أن التشخيص الصحيح يمكن أن يغير حياة الإنسان بشكل واضح.

وقال: "رأيت أمهات كنّ يخضعن لإجراءات المحاكم، وكنّ معرضات لخطر أن يُسلب منهن أطفالهنّ، ووضعهم في دور الرعاية، لأنهم [الأطفال] لم يكونوا في أمان، لكن بمجرد تشخيص هؤلاء الأمهات وعلاجهن من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ، تمكنّ من الاحتفاظ بأطفالهن".

أعراض نقص الانتباه وفرط الحركة لدى البالغين

ربما تختلف أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لدى البالغين عن تلك التي لوحظت لدى الأطفال.

ووفقاً للمعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية، فإن معظم علامات هذا الاضطراب لدى البالغين هي:

التشتت في كثير من الأحيان

عدم التنظيم والمماطلة

سوء إدارة الوقت

فقدان الأشياء ونسيان المهام اليومية

مقاطعة الآخرين، والثرثرة الشديدة

صعوبة التركيز على مشروع محدد وإنهائه

الحاجة إلى النشاط أو التحفيز المستمر

تفضيل المكافآت الفورية على المكافآت المستقبلية

وتكون هذه السلوكيات لدى البالغين المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة شديدة ومتكررة ومستمرة، وتتعارض مع الحياة اليومية.

* ما حجم الفجوة بين الجنسين؟

وتشير التقديرات إلى تشخيص فتاة واحدة تقريباً بالاضطراب مقابل أربعة فتيان، إلا أن هذه الفجوة تقل بين البالغين، لتقترب النسبة من فتاة مصابة بالمرض مقابل شابين بالغين.

وتقول كيارا سيرفيلي، ممثلة وحدة صحة الدماغ في منظمة الصحة العالمية، إن هناك أدلة متزايدة بأن معدلات التشخيص المختلفة، ترجع إلى كيفية ظهور الأعراض، والتعرف عليها لدى الفتيات.

ويشير العديد من الخبراء إلى أن علامات اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لدى الفتيات غالباً ما تكون أقل وضوحاً لدى الآباء والمعلمين، مقارنة بالفتيان.

ويرى دكتور مولر سيدجويك أن الفتاة النمطية المصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، هي فتاة تحلم أحلام اليقظة، ولا تسبب الكثير من الإزعاج في الفصل الدراسي، ولا تُشخّص غالباً، بينما يركض الفتيان المصابون بهذا الاضطراب في كل مكان، ويتسببون في مشكلات أكثر، لذلك تكتشفهم المدارس في وقت مبكر وتحيلهم إلى التقييم".

ويعتقد أن الفتيات والنساء "أفضل فيما يُعرف بـ "الإخفاء" والسلوكيات المكتسبة التي تجعلهن يبدن وكأنهن لا يعانين من أي مشكلات".

وترى كيارا سيرفيلي من منظمة الصحة العالمية أن المعايير والتوقعات المجتمعية المتعلقة بالجنسين تعد عاملاً مهماً آخر يساهم في تأخر أو عدم تشخيص حالة الفتيات.

وتحدثت عن الحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث، حول كيفية مساهمة العوامل الوراثية والهرمونية والمرور بمرحلة البلوغ في اختلاف أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.

* لماذا تُشخص النساء في سن البلوغ؟

تُظهر دراسات متعددة أن الفجوة بين الجنسين في تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة تتقلص في مرحلة البلوغ.

ويرى الدكتور علي كانديغر، وهو طبيب نفسي في تركيا، أن السبب وراء ذلك أن النساء عادة ما يسعين إلى العلاج النفسي أكثر من الرجال.

ويُعتقد أن عدد المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في تركيا أعلى من المعدل العالمي.

وتقول الطبيبة النفسية التركية ديدم سوكولو أوغلو ديكيتشي، إنها شخّصت عشرات النساء في السنوات الأخيرة، مضيفة أن المريضات يأتين طلباً للمساعدة في علاج الاكتئاب والإرهاق، وغالباً لا يدركن أنهن يعانين من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.

وأوضحت أن بينهن نساء ناجحات في وظائفهن، ويحببن الكمال، ويرغبن في امتلاك قدر من السيطرة على أفعالهن، وأنهن كن يستخدمن آليات التأقلم المرهقة لتحقيق النجاح.

كما شخّص الدكتور مولر سيدجويك الكثير من النساء اللائي جئن لطلب المساعدة، بعد إصابتهن بما يعرف بالأزمة الناتجة عن إرهاق اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.

وأوضح أن مرضاه كان بينهم مجموعة من النساء فوق الأربعين من العمر، ويعانين من أعراض ما قبل انقطاع الطمث.

وأضاف أن الأعراض تلك المرحلة الانتقالية ليست مجرد هبّات ساخنة، لكن بعضها معرفيّ، ويمكن أن تزيد من سوء قصور الانتباه المرتبط باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة الموجود مسبقاً.

ويبدو أن معدلات تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة تزايدت في كثير من البلاد خلال السنوات الأخيرة.

على سبيل المثال، تضاعف عدد المرضى الذين توصف لهم أدوية لعلاج هذا الاضطراب في إنجلترا ثلاث مرات تقريباً في العقد الماضي.

وأظهرت الإحصاءات في الولايات المتحدة أن عام 2022 شهد زيادة في عدد الأطفال الذين شُخصوا في فترة من حياتهم بهذا الاضطراب بمقدار مليون طفل إضافي تتراوح أعمارهم بين 3 و17 عاماً، مقارنة بعام 2016.

* الاضطراب وقضاء وقت أمام الشاشة

مع تزايد المخاوف بشأن الإفراط في تعرض الأطفال والبالغين للمحتوى الرقمي، غالباً ما يتساءل الناس عن الصلة بين الوقت الذي نقضيه أمام الشاشات واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.

وتحدث الدكتور مولر سيدجويك عن إجراء أبحاث حول مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، والوقت الذي يقضيه الأطفال غير المصابين.

وعادة ما تجد هذه الأبحاث أن الأطفال المصابين بالاضطراب يقضون وقتاً أطول، لكن الأمر أشبه بسؤال "من جاء أولا الدجاجة أم البيضة؟!

ويوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو توفر ومضات من هرمون الدوبامين التي يتوق إليه المصابون بالاضطراب، لأن الدوبامين يحفز الدماغ.

وأضاف مولر سيدجويك أن الدراسات تشير إلى أن قضاء وقت طويل أمام الشاشات قد يساهم في زيادة الأعراض لدى الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، لكن من الصعب معرفة إن كان قضاء الوقت أمام الشاشات قد يؤدي إلى الإصابة بالاضطراب.

* علاج نقص الانتباه وفرط الحركة

يتعين فحص أنماط حياة المريض بالتفصيل والبحث عن علامات من الطفولة، لتشخيص حالة اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.

ويمكن العلاج بأساليب مختلفة، حيث يقترح الأطباء في المملكة المتحدة في البداية نوعاً من التكيف والتعديلات البيئية لمواجهة الآثار السلبية الناتجة عن الاضطراب قبل وصف الدواء.

وعادة ما تكون تلك الأدوية منبهات مثل الأمفيتامين أو ميثيل فينيدات "المنبه للجهاز العصبي المركزي"، وهي أدوية تقلل من أعراض الاضطراب من خلال زيادة إفراز مواد كيميائية معينة في المخ، لكن يمكن أن تؤدي هاتان المادتان إلى الإدمان، إذا اُستخدمتا بشكل غير صحيح.

وربما يوصي الأطباء بالعلاج السلوكي المعرفي، الذي يتضمن فهماً أعمق للأعراض والالتزام باستراتيجيات للتحكم فيها بشكل أفضل. ويلجأ الأطباء لهذا العلاج عادة للتعامل مع المرضى، الذين لا يستطيعون تحمل الأدوية.

كما يوصي الدكتور كانديغر أيضاً بممارسة النشاط البدني وتمارين اليقظة الذهنية للمساعدة في التركيز على اللحظة.

وضرب مثالاً قائلاً :"إذا كنا نأكل، ربما ينبغي أن نحاول عدم مشاهدة أي شيء في الوقت نفسه، أو إن كنا نشاهد شيئاً ما، فيمكننا أن نحاول عدم الإسراع في مشاهدته، ينبغي أن نوفر المزيد من اللحظات التي نمشى فيها، ونجلس فقط، ونترك عقولنا تتدفق".