آخر تحديث :الجمعة - 31 يناير 2025 - 04:05 ص

السعودية وترامب وحكاية أسعار النفط

الخميس - 30 يناير 2025 - الساعة 11:57 م

أحمد عبداللاه
الكاتب: أحمد عبداللاه - ارشيف الكاتب




كان الكارتل النفطي أو ما عُرف بـ "الأخوات السبع" يتحكم بأسعار النفط وتوازن العرض والطلب، بمستوى سعري يقل أو يزيد قليلاً عن 3.5 دولارات للبرميل. بعد ذلك لعبت المتغيرات والأحداث في الشرق الأوسط دوراً حاسماً في زيادة الأسعار.

مثلت حرب أكتوبر عام 1973 الانطلاقة الأولى للتغيير التاريخي في الأسعار بعد قرار حظر تصدير النفط العربي (أعضاء أوبك) إلى الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب دعمها لإسرائيل. ارتفع حينها السعر إلى 12 دولارًا للبرميل، ثم توالت الأحداث تباعاً، وتضاعفت الأسعار على خلفية انقطاع الإنتاج إبان الثورة الإيرانية لتصل إلى 25 دولارًا للبرميل، وعلى نفس المنوال، ومع بدايات حرب الخليج الأولى عام 1980م انخفض العرض ليصعد سعر البرميل إلى مستوى 35-37 دولارًا تقريباً، لكن الأمر لم يلبث طويلاً حتى حلت صدمة معاكسة في الأسواق خلال العام 1981م حين بدأت رحلة هبوط الأسعار جراء "وفرة النفط" في الأسواق نتيجة انخفاض و(ترشيد) الاستهلاك في الدول الصناعية، وكذلك نشوب خلاف حول إدارة حصص أعضاء الأوبك، بين الطامحين في زيادة الأسعار من خلال خفض الإنتاج والمحافظين الذين رأوا أن ارتفاع الأسعار قد يتسبب بانخفاض الطلب العالمي والتوجه نحو بدائل أخرى. في ذات السياق ارتفع إنتاج الدول من خارج الأوبك وعلى وجه التحديد من بحر الشمال، خاصة القطاع النرويجي البحري (يوجد فيه اليوم أكبر حقل نفطي في غرب أوروبا)، وهكذا استمرت رحلة الهبوط السعري حتى وصلت حدها الأدنى عام 1986م.

تبنت المملكة السعودية موقفاً داعماً لخفض الأسعار ولعبت ما سُمّي بالدور الترجيحي في سدّ الثغرات على مستوى إنتاج دول الأوبك بذريعة الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب، لكن المملكة ولأسباب مثيرة للجدل غادرت ذلك الدور بعد إزاحة وزير النفط الشيخ اليماني وسط استمرار الاضطراب في سياسة الأوبك. حينها قررت رفع سقف الإنتاج إلى مستوى قياسي نتج عنه إغراق السوق وانهيار أسعار النفط إلى أدنى مستوى، حيث هبط سعر البرميل إلى 7 - 10 دولارات.

نتوقف هنا عند تلك النافذة الزمنية.. في إطار الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تتبنى منهج التضييق الاقتصادي على الاتحاد السوفييتي خاصة بعد أن خسر كثيرا في أفغانستان، وشهد في الثمانينات فترة ركود اقتصادي كبير، وربما أن وفرة النفط السعودي في أسواق منتصف الثمانينات لم تكن خارج حسابات الاستراتيجية الأمريكية خاصة وقد أدت إلى هبوط هائل في الأسعار ومن ثم خسرت الخزينة السوفيتية 50 % من عائدات النقد الأجنبي، مما شكل بكل المقاييس كارثة اقتصادية لم تستطع معها موسكو تلبية احتياجاتها لاستيراد السلع الضرورية.

شكلت صدمة الأسعار تلك حملاً ثقيلاً في وضع الاتحاد السوفييتي الحرج الذي تفاقم على خلفية تراكمات طويلة تعود أسبابها إلى جوهر نظام الإنتاج الاشتراكي وفشل الإصلاحات الاقتصادية كما أنها واكبت الانتقال المتسارع للسلطة بين آخر ثلاث زعامات سوفييتية تناهت إلى جورباتشوف الذي تبنّي مشروعا إصلاحيا مزدوجا (البيريسترويكا والغلاسنوست)، لكنه كما اتضح "قاد الإصلاحات من الصفر إلى الرماد"، وفي مساء 25 ديسمبر عام 1991م تم إنزال الراية الحمراء من على الكرملين.

اليوم يكرر ترامب الدعوة الصريحة للمملكة السعودية بخفض أسعار النفط مما يعني دعوتها لزيادة الإنتاج للضغط على موسكو لحلحلة الأزمة مع أوكرانيا بالطريقة التي يراها، وله في ذلك مآرب أخرى وكأنه يذكّر بحقبة الثمانينات، لكن السعودية عام 2025 لم تعد كما كانت عليه عام 1986م. ليس فقط لأنها ملتزمة بتفاهمات (أوبك بلس) أو لأنها أصبحت على مسافة 80 عام من (فالنتاين) كوينسي، ولكن أيضاً لأن مساراتها الاقتصادية خلقت واقعاً مختلفاً ومعه تحديات مالية كبرى ولا يمكن لها أن تتحمل انهيار أسعار النفط لأنه سيقلص حجم الاستثمارات الداخلية ويؤدي إلى إبطاء النمو وربما تعطيل برامج الرؤية 2030، عداك عن أن المملكة تعلمت دروساً مكلفة بعد أن أثبت التاريخ بأن أمريكا لا تحمي سوى مصالحها بواقع ( 100 %) مقابل (0 %) للحليف الشرق أوسطي الآخر.




شاهد أيضًا

البحسني يفتح عش الدبابير في حضرموت.. صراع نفوذ أم معركة ضد ا ...

الخميس/30/يناير/2025 - 11:50 م

في تطور خطير يعكس مدى تفشي الفساد في حضرموت، كشف عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن فرج سالمين البحسني عن عمليات تهريب وتكرير غير قانونية للنفط الخ


ارتفاع مفاجئ في سعر الدولار: انهيار غير مسبوق للريال وسط عدم ...

الخميس/30/يناير/2025 - 11:15 م

شهدت العملة المحلية اليوم الخميس انهياراً جديداً امام العملات الصعبة وسط استمرار التجاهل من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة. وبحسب مصادر مصرفية فقد


التاريخ لا يرحم.. ثلاث هزائم غيرت مصير الجنوب.. هل تكون الرا ...

الأربعاء/29/يناير/2025 - 09:00 م

"الماضي مفتاح المستقبل".. بهذه القاعدة يمكننا قراءة الأحداث التي شكلت منعطفات حاسمة في تاريخ الجنوب، حيث كانت حرب 1994 هي الخسارة الثالثة ال


هل يستحق لقاء بين 12 مسؤولًا يمنياً وموظفين اثنين من البنك ا ...

الأربعاء/29/يناير/2025 - 04:50 م

أثار سفر وفد حكومي يضم 12 مسؤولًا من وزارة المالية والبنك المركزي اليمني إلى العاصمة الأردنية عمّان، لمقابلة اثنين فقط من موظفي البنك الدولي، جدلاً وا