في الوقت الذي تتزايد فيه تحديات المشهد اليمني المعقد، يبرز الجنوب كحالة سياسية وشعبية استثنائية، تخطُّ طريقها بثبات نحو استعادة الهوية والدولة، بعد سنوات من التهميش والهيمنة، وبينما تتوزع القوى على خارطة التحالفات المتغيرة، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي تعزيز حضوره ككيان سياسي ممثل لإرادة شعب الجنوب، وقائد لمشروعه التحرري.
حراك لم يولد من فراغ
يشدد الكاتب والباحث السياسي الدكتور عديل الطهيش في مقاله الموسوم بـ"الجنوب يقاوم والانتقالي يقود والأعداء يتساقطون"، على أن القضية الجنوبية ليست طارئة أو هامشية، بل هي امتداد لنضال شعب يطالب باستعادة وطنه الذي انتُزع منه قسرًا، فالحراك السلمي الذي انطلق عام 2007 لم يكن سوى بداية موجة وطنية عارمة، عبّرت عن تطلعات شعب الجنوب في استعادة هويته ودولته المستقلة.
ورغم ما واجهه من قمع وإقصاء، فإن هذا الحراك ظل سلميًا، متحديًا منظومة العنف بالقوة الشعبية والإرادة المدنية، ليؤسس لمرحلة جديدة من العمل المنظم انتهت بإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017.
المجلس الانتقالي.. من الفكرة إلى الفعل
يقول د. الطهيش إن تأسيس المجلس لم يكن لحظة سياسية عابرة، بل تطور نوعي في مسار الحراك، وتحول من حركة احتجاج إلى كيان سياسي منظم يحمل مشروعًا وطنيًا واضحًا: استعادة الدولة.
لقد نال المجلس الانتقالي تفويضًا شعبيًا واسعًا، مكّنه من فرض نفسه كالممثل السياسي والشرعي لقضية الجنوب، ومع إدراكه أن المعركة لا تقتصر على المجال السياسي، انخرط المجلس في مواجهة شاملة على عدة جبهات، اقتصادية وأمنية وخدمية، متصديًا لمحاولات تركيع الجنوب عبر الحصار والتجويع والانهيار الاقتصادي الممنهج.
اقتصاد مقاوم.. وإدارة متماسكة
يشير المقال إلى أن المجلس الانتقالي لعب دورًا فعالًا في دعم الاستقرار المالي والإداري، وسعى لتخفيف معاناة المواطنين عبر إجراءات مدروسة، رغم غياب الدعم الدولي وقيود التحالف، وفي وجه أزمة الخدمات وانهيار العملة، قدم المجلس ما استطاع من حلول ضمن الإمكانيات المتاحة، في محاولة لملء الفراغ الذي خلفته السلطات الرسمية.
قوات الجنوب.. أكثر من مجرد دفاع
في ميدان الأمن، كانت القوات المسلحة الجنوبية حجر الزاوية في حماية مؤسسات الدولة، والتصدي للجماعات الإرهابية، ووأد محاولات الانفلات والفوضى في محافظات مثل الضالع، أبين، لحج، وشبوة. ويصفها د. الطهيش بأنها لم تكن مجرد أداة ردع، بل "صمام أمان وسند شعبي"، تجسّد فيها التحام المواطن بالمقاتل في معركة الوجود.
الميثاق الوطني الجنوبي.. خطوة نحو التمثيل العادل
ومن أبرز ما أشار إليه المقال، مبادرة الحوار الوطني الجنوبي التي أطلقها المجلس الانتقالي، والتي أسفرت عن إعلان "الميثاق الوطني الجنوبي" كوثيقة جامعة لمكونات الجنوب، تضمن التمثيل العادل، وتؤسس لشراكة حقيقية في القرار، مع خصوصية واضحة للمحافظات، وعلى رأسها حضرموت.
ويؤكد الكاتب أن حضرموت، بموجب الميثاق، نالت موقعًا مركزيًا وتمكينًا سياسيًا واقتصاديًا غير مسبوق، خلافًا لما كانت عليه في المشاريع اليمنية السابقة التي اكتفت بالتهميش أو التوظيف المرحلي.
محاولات التشويش.. ووعي شعبي حاضر
رغم الزخم الشعبي والسياسي الذي يحمله مشروع الجنوب، فإن القوى المعادية – وفق الطهيش – لا تزال تحاول إفشاله، مستخدمة أدوات متعددة، من كيانات سياسية هشّة إلى تحركات قبلية تدّعي تمثيل المحافظات، لكنها في حقيقتها أذرع لمشاريع صنعاء القديمة.
ويتوقف الكاتب عند موقف الشيخ عمرو بن حبريش ودعوته لاجتماع قبلي في الهضبة الحضرمية، معتبرًا إياه محاولة للانقلاب على إرادة حضرموت، والالتفاف على الميثاق الوطني، إلا أن هذه المحاولات تصطدم، كما يرى، بجدار الوعي الشعبي الجنوبي الذي بات يدرك تمامًا من يقف معه ومن يعمل على تشويش قضيته.
بين الحلم والمشروع.. الجنوب يتقدم
"استعادة الدولة الجنوبية ليست حلمًا مؤجلًا، بل مشروع نضالي يتقدم بخطى ثابتة"، بهذه العبارة يختصر الطهيش طبيعة المرحلة، فالجنوب، كما يراها، لم يعد ساحة رخوة مفتوحة للاختراق، بل جبهة متماسكة، وشعب صلب، يدافع عن مشروعه، ويقاوم بكل الوسائل.
ويختم مقاله برسالة شديدة اللهجة إلى من يراهن على كسر الإرادة الجنوبية، مفادها: "من يحاول إسقاط راية الجنوب، فليعلم أن هذه الراية لا تسقط بإسقاط كيان، بل تحتاج لإسقاط شعب، وهذا ما لن يكون".
إن ما يعيشه الجنوب اليوم ليس مجرد لحظة سياسية، بل مخاض وطني عسير لمشروع تحرري عميق الجذور، يقوده كيان سياسي منظم، وتدعمه قاعدة جماهيرية واسعة، في مواجهة تحديات داخلية وخارجية معقدة، ورغم حملات التشويش والتفكيك، فإن الجنوب – بحسب ما تطرحه رؤية د. عديل الطهيش – يمضي في طريقه بثقة، حاملًا حلم الدولة، ومعه شعب يعي ويقاوم ويقود.