آخر تحديث :الجمعة - 31 يناير 2025 - 10:35 م

منوعات


"لا أعرف وطنا غيرها".. ماذا نعرف عن معاناة "بدون ليبيا"؟

الجمعة - 31 يناير 2025 - 09:25 م بتوقيت عدن

"لا أعرف وطنا غيرها".. ماذا نعرف عن معاناة "بدون ليبيا"؟

العين الثالثة/ متابعات

المكان: مدينة أوباري في الجنوب الليبي.
الزمان: الساعة الثانية ظهرا من يوم ربيعي من العام 2014.
الحدث: شابة تدعى عائشة محمد موسى، حديثة التخرج من كلية طب في جنوب ليبيا، تقصد إدارة حكومية لاستخراج جواز سفر لتٌحلّق نحو آفاق جديدة.
تلج مكتب إدارة الوثائق المدنية، تطرح قضيتها على الموظف الحكومي: جئت لاستخراج جواز سفر لمواصلة دراساتي العليا خارج ليبيا.
لم تتأخر إجابة الموظف الحكومي: "لا ينقص البلد إلا منح التشاديين الجنسية الليبية".
"بكيت كثيرا، تبادرت أسئلة كثيرة إلى ذهني، وتلاشى حلم الطفولة في أن أكون بروفيسور متخرجة من أرقى الجامعات العالمية"، هكذا تتذكر عائشة تلك اللحظات الصعبة التي مرت بها.

طيلة أكثر من عقدين من الزمن، لم تعرف عائشة غير ليبيا وطنا، فيه كبرت وفي مدارسه تعلمت ومن قيمه نهلت، لكن "حسب بعضهم لسنا حتى مواطنين من درجة ثانية، بل حتى إننا لا نستحق الحياة"، تقول في حديثها مع موقع "الحرة".

حالة عائشة ليست فريدة من نوعها، إذ تشير تقديرات إلى وجود عشرات الآلاف من الأشخاص عديمي الجنسية في ليبيا أو ما يعرف بـالـ"بدون".

تُعرّف الأمم المتحدة عديم الجنسية بأنه "الشخص الذي لا تعتبره أية دولة مواطنا فيها بمقتضى تشريعها".

ما قصة عديمي الجنسية في ليبيا؟

تخيّل يوما أن تكون في سفر خارج حدود بلدك، تُجري السلطات إحصاء سكانيا، لا يعثر الموظفون عليك في موقعك، فتُصنف منذ ذلك اليوم على أنك من غير الحاملين لجنسية ذلك البلد.
ينطبق هذا الأمر تماما على عدد كبير من قاطني دولة ليبيا، الذين لم تشملهم إحصاءات سكانية جرت في البلاد خلال العهد الملكي الذي أطيح به في نهاية الستينيات.

ليس هؤلاء فقط من حُرموا من الجنسية الليبية، فخلال الاستعمار الإيطالي، بين عامين 1911 و1942، هاجر عدد كبير من أبناء القبائل الليبية إلى دول الجوار كتونس والجزائر والسودان وتشاد ومصر وغيرها، وعندما وضعت الحرب أوزارها، عادوا لبلدهم لبدء حياة جديدة مستقرة، لكن مفاجأة كانت في انتظارهم وانتظار أبناءهم وأحفادهم، فقد استبعدوا منذ ذلك الوقت من سجلات مواطني دولة ليبيا.

لا تنتهي القصة هنا، فهناك فئة ثالثة من عديمي الجنسية في ليبيا، كانوا ضحية حروب ونزاعات كبرى، أبرزهم سكان إقليم "أوزو"، وهي منطقة حدودية بين ليبيا وتشاد تنازع البلدان طويلا حول السيادة عليها، قبل أن تحكم جهات قضائية دولية لصالح تشاد.

أغضب الحكم نظام العقيد الراحل معمر القذافي ليصدر قرار بحذف سكان إقليم أوزو ومعظمهم ينتمون لقبائل التبو من سجلات المواطنين الليبيين، وباتوا منذ ذلك اليوم غرباء في بلدهم.

المأساة تتكرر
بعد تبخر فرصة عائشة لمواصلة الدراسة خارج ليبيا، حصلت على عقد عمل في دولة عربية مجاورة.

كررت محاولة الحصول على جواز سفر للمغادرة، فاصطدمت بالعراقيل ذاتها، حينها قررت الاستقرار بالبلد الذي نشأت فيه لبناء حياة جديدة.

جمعت عائشة أموالا لافتتاح مشروع طبي صغير في مدينتها، سلمت أموالها لدائرة حكومية، لكن متاعبها استمرت.

"القانون يفرض على المستثمرين أن يكونوا من أصحاب الجنسية الليبية"، تقول عائشة بمرارة.
تعمل عائشة اليوم في مستشفى محلي بليبيا، لكنها لا زالت تواجه صعوبات في الحصول على راتبها وتحويل مستحقاتها للبنوك.

بالنسبة لعائشة، فإن مأساة "عديمي الجنسية مستمرة وأبسط حقوقهم منتهكة، بدءا بشراء شرائح اتصال هاتفية ووصولا إلى السفر للدراسة أوالعلاج، مرورا بالحصول على وظائف محترمة".

أمام انسداد الأفق، لجأ كثير من عديمي الجنسية إلى ركوب قوارب الموت نحو "الجنة الأوروبية" على أمل البدء من جديد.

تسرد عائشة قصة صديقة لها عديمة الجنسية أيضا: "وصلت إلى فرنسا على متن قارب متهالك أقلها من إحدى الشواطئ الليبية، وقد حصلت اليوم على جواز سفر فرنسي وامتلكت بيتا وبدأت في تحقيق أحلامها".

لولا الخوف من الغرق، تقول عائشة، "لاخترت الحل نفسه بدل حالة الانتظار الدائم التي أعيشها".

لاءات أمام العلاج والدراسة والحج
تقدر أعداد عديمي الجنسية في ليبيا بنحو150 ألف شخص، وفق أرقام المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا.
ويتوزع هؤلاء على عدة شرائح مجتمعية بينهم قبائل التبو والطوارق وقبائل عربية، منها قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وفق ما صرح به رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد حمزة، لموقع "الحرة".

ويقول حمزة إن قضية عديمي الجنسية تعود إلى عقود خلت، حيث جرى تسوية وضعية البعض بمنحه الجنسية بينما لا زال آخرون دون هوية، وهي إشكالية يتوارثها الأحفاد عن الأبناء.
ويواجه المنتمون إلى هذه الفئة المجتمعية العديد من العراقيل في استخراج وثائق ثبوتية تتيح لهم المشاركة السياسية أو الحصول جوازات سفر تمكنهم من الحج والدراسة والعلاج في الخارج.
ويصف حمزة هذه القضية بـ"المخجلة حيث لم تعمل الدولة الليبية منذ تأسيسها على حلها، رغم تعدد الدعوات والمطالب".
يطالب حمزة "بعدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية المعتمدة حاليا والتي ترى أن منح هؤلاء جنسية بمثابة انتهاك للسيادة الليبية".
ويدعو إلى "تسوية شاملة لهذا الملف الشائك الذي ترتبت عنه مآسي ومعاناة وهضم للحقوق الاجتماعية والسياسية"، مشددا على أهمية "إقرار حل يشمل في إطار رؤية اجتماعية قانونية إنسانية وحقوقية".

ماذا قدمت السلطات؟
بعد نحو 3 سنوات من الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي، منحت السلطات الليبية رقما وطنيا لجميع حاملي جنسية هذا البلد المغاربي.

هذه الخطوة الأولى على طريق إرساء نجاعة أكبر في عمل السلطات الإدارية، سرعان ما كشفت عن تحديات واسعة، وعلى رأسها طبعا كيفية التعامل مع عديمي الجنسية.
اندلعت احتجاجات قادها منتمون إلى هذه الفئة وصلت حد إغلاق حقول النفط، القطاع الأبرز في اقتصاد البلاد.

بالموازاة، نُظمت حملات افتراضية حظيت بمتابعة واسعة، بينها حراك "لا للتمييز" لحث السلطات المركزية على إنهاء مشكلة عديمي الجنسية، أو حملة "الرقم الإداري".

وفي محاولة منها لإيجاد حل مؤقت، منحت الدولة الليبية بعد ثورة 2011 ما بات يُعرف بـ"الرقم الإداري" للمنتمين لفئة عديمي الجنسية.

ويتيح الرقم الإداري لحامله بعض الحقوق كتلقي المرتبات وإتمام بعض الخدمات الإدارية، لكنه يظل محدود الأثر ومحط انتقادات حقوقية دائمة.

وتقدر تقارير إعلامية عدد حاملي الرقم الإداري إلى غاية الآن بنحو 17 ألف عائلة، تشمل العائدين من المهجر ومن لم يتم حصرهم في استفتاءي عامي 1954 و1964.

وفي ظل الانقسام السياسي الحاد الذي تعيشه ليبيا، يستبعد المحلل السياسي إسماعيل الرملي "التوصل إلى حلول جذرية لإشكالية عدم امتلاك عدد من الأشخاص لجنسية ليبيا أو رقم وطني".

ويشير الرملي في هذا السياق إلى "محاولات لتشكيل لجان ودراسة الملفات لتسوية أوضاع هذه الفئة لكنها اصطدمت بواقع صعب على اعتبار ارتفاع الأعداد ومخاوف التأثير على النسيج الاجتماعي"، معتبرا في تصريح لموقع "الحرة" أنه في "غياب استقرار سياسي لا يمكن التوصل إلى تسوية هذا الملف الشائك".

وتجدر الإشارة إلى أن ليبيا منقسمة بين حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس وحكومة أسامة حماد المعينة والمدعومة من البرلمان الليبي ورجل ليبيا القوي، المشير خليفة حفتر.

وفي انتظار تعامل الدولة الليبية، كيفما كان لونها، مع مأساة إنسانية طال أمدها، يظل عديم الجنسية كما تقول عائشة: "أنا لست ليبية ولست أجنبية".

شاهد أيضًا

خيانة في المعاشيق.. كيف تحول مكتب رئيس الوزراء إلى بؤرة اختر ...

الجمعة/31/يناير/2025 - 07:00 م

تصاعد الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية بعد التسريبات الصادمة التي كشفها قائد قوات الحزام الأمني في عدن، العميد جلال الربيعي، حول قضية التخ


عدن بدون غاز.. هل تتفاقم الأزمة؟ ...

الجمعة/31/يناير/2025 - 04:40 م

أفاد مواطنون في عدن عن بوادر أزمة غاز اليوم الجمعة، حيث أغلقت معظم محطات التعبئة باستثناء محطة واحدة في كريتر، والتي رفعت سعر الأسطوانة (20 لترًا) إلى


المعلا.. سقوط شرفة فوق سيارات متوقفة ونجاة السكان ...

الجمعة/31/يناير/2025 - 04:12 م

شهدت عمارة طاهر في شارع المعلا الرئيسي سقوط شرفة إحدى الشقق، مما أدى إلى أضرار مباشرة لثلاث سيارات كانت متوقفة أسفل المبنى. وأكدت المصادر أن الحادث لم


إعلامي يحذر: عدنا لنفس النقطة بعد كل ما قدمناه من تضحيات! ...

الجمعة/31/يناير/2025 - 02:40 م

عبر الإعلامي عادل اليافعي عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع في منشور له على صفحته في فيسبوك، حيث قال: "انتصرنا في 2015 وقلنا خلاص جاء الفرج وتتنفس الصعداء