آخر تحديث :الأربعاء - 08 يناير 2025 - 01:50 ص

اخبار العالم


هكذا بدت حمص.. صراع مشاعر بين ماضيين وحاضر

الإثنين - 06 يناير 2025 - 05:20 م بتوقيت عدن

هكذا بدت حمص.. صراع مشاعر بين ماضيين وحاضر

العين الثالثة/ متابعات


عند الدخول إلى حمص السورية (العدية) وسط البلاد بعد سقوط نظام الأسد يعيش الزائر إليها من أبناء هذه المدينة صراع مشاعر معقد.. أطرافه معلقة بين ماضيين (الأول قبل 2011 والثاني بعده) وحاضر. بين صورتين الأولى مسالمة والثانية عدوانية. بين نكتةٍ ومأساة.. بين واقع يُفرض الآن ومستقبل ضبابي لا يعرف أحد الشكل الذي سيكون عليه.

أنا من مدينة حمص.. خرجت منها آخر مرة في 2013 متوجها إلى دمشق قبل أن أغادر البلاد بشكل كامل في التاريخ المذكور، وعدت إليها بزيارة استمرت 3 أيام الأسبوع الماضي سالكا الطريق القادم إليها من حماة (شمالا). المدينة التي يتقاسم الحماصنة معها الكثير ويختلفون مع أبنائها على التفصيل المتعلق بـ"أصل حلاوة الجبن".

لم تكن أمامنا أية حواجز أمنية أو عسكرية حال الدخول إلى "العدية" أو بعد ذلك في أثناء التنقل داخل أحيائها وشوارعها، ومع ذلك وبشكل لا إرادي سرعان ما يتراود لدى الزائر مشاهد سياجات من نوع آخر.

هذه السياجات كان أسس لها نظام الأسد بشكل كبير بعد 2011 وما تزال على حالها الآن رغم "التحرير". تغذيها الطائفية التي تهب رياحها من كل مكان وتعززها "جدران غير مرئية" يتحدث عنها غالبية السكان ويتوجسون منها، في الوقت الحالي.

قبل اندلاع الثورة السورية في 2011 كانت حمص تعيش لحظات انفتاح على صعيد التنوع الديني والطائفي الذي يشكل هوية المدينة، ودائما ما كانت توصف بـ"مدينة السلام"..

لكن بعد هذا التاريخ انقلب كل شيء رأسا على عقب، بفعل ما أسس له نظام الأسد بيديه.

اعتمد النظام في حمص على سياسة طائفية "استثنائية" لمواجهة الحراك السلمي الذي خرج ضده آنذاك.

"أوصل حينها رسالة لحاضنته من الطائفة العلوية مفادها (إما نحن أو هم) وتمكن من استقطاب الكثيرين في قواته والميليشيات غير الرسمية لمواجهة كل من كان ينادي ضده (بلا)"، وفق قول، بلال نكدلي، الذي التقاه مراسل موقع "الحرة" في حي باب تدمر، معتبرا أنه "نجح بذلك بالفعل وكثيرون ممن انجروا خلفه".

أدخلت هذه السياسة حمص في بحر من الدماء وكانت كفيلة بأن تشحن المدينة لسنوات وسنوات بـ"الطائفية". وليس ذلك فحسب بل أسست لجذور خطيرة لن يكون من السهل قطعها، وهو ما نراه يخيم على المشهد الآن، وتثار حوله الكثير من الروايات والمخاوف.

"حواجز الخوف"
بواسطة السيارة من السهل أن تتجول في عموم مناطق حمص وقد تستغرق منك هذه الرحلة حوالي نصف ساعة كون قسم كبير من الأحياء بات رمادا على الأرض (القصور، الخالدية، البياضة..) لكن هذا الحال لا ينطبق على الحالة النفسية للزائر، خاصة ابن المدينة الذي عاش ماضيا قاتما لأربع سنوات.

بحسب مشاهداتي ما يزال قسم كبير من سكان أحياء الطائفة السنية يحرصون على عدم المرور والتجول كثيرا في الأحياء الأخرى التي تقطنها الغالبية العلوية، والعكس صحيح. بين هاتين الضفتين جرت أنهار من الدماء وكان نظام الأسد يتفرج.

هناك حذر وأمنيات وخوف و"غدر قد يحصل في أي لحظة"، وهو ما راودني أيضا عند العبور إلى حمص مارا من "فرع الجوية" المحصن سالكا الطريق القادم من حماة.

حَرصت على عدم العبور من الأحياء التي شهدت بواباتها الكثير من عمليات القتل على "الهوية" (الزهراء، السبيل، وادي الذهب، العباسية). ورغم أن هذه الحالة انعكست على فترة زمنية معينة إلا أن المشاهد المتعلقة بها والأخبار التي وثقتها ما زالت حاضرة وكأنها صورة تعرض أمامك على الملأ.

في هذه الأحياء تواصل فصائل "إدارة العمليات العسكرية" الحملات الأمنية فيها، وعندما كنت في حمص كانت محاصرة جزئيا، ويطلب من المسلحين فيها تسليم السلاح وإجراء التسوية.

وبعدما غادرت في مطلع يناير الحالي توسعت الحملة الأمنية كثيرا لتصل إلى حد تنفيذ عمليات المداهمة، بهدف القبض على "فلول نظام الأسد" السابق، من ضباط وعسكريين و"شبيحة" وقادة مجموعات تلطخت أيديها بالدماء.

في حمص 3 وجهات نظر بشأن هذه الحملات. أصحاب وجهة النظر الأولى يؤيدونها ويطالبون بإلقاء القبض على جميع من تورطت أيديهم بدماء المدنيين.

ويرى أصحاب وجهة النظر الثانية أن هناك ضرورة لإلقاء القبض على الفلول، وينتقدون في المقابل ويحذرون من الانتهاكات المصاحبة لذلك، وخاصة تلك التي تستهدف الأبرياء.

ويذهب الرأي الثالث باتجاه أن ما يحصل الآن في حمص قد يشعل فتيل قنبلة موقوتة كان قد تركها الأسد قبل هروبه من دمشق. يصف الشاب، محسن خضور، هذه القنبلة بـ"الآفة" أو "اللوثة"، ويضيف لمراسل موقع "الحرة": "حمص لن تعود كما في السابق إلا على يد العقلاء من كل الطوائف".

وبينما يعبّر عن مخاوفه من "الشحن الطائفي" الذي تركه الأسد خلفه في "مدينة السلام" يضيف متسائلا: "هل حمص ستظل أسيرة لهذا الشرخ الطائفي؟ وهل يمكن أن تعود لتكون رمزا للتعايش والتنوع كما كانت؟ قد تكون الإجابة صعبة، ولكن لا بد من أن يبقى الأمل قائما".

"لم يضرب بها برغي"
لا تختلف حمص كثيرا عن بقية المدن التي دمرها الأسد بعدما انتفضت ضده على صعيد الزاوية المتعلقة بالإصلاحات التي كان من المفترض أن تطال العمران قبل نفوس أبنائها، دون أن يشمل ذلك مئات المدنيين الذين أجبرهم على الخروج من أحيائهم قسرا باتجاه إدلب وبالباصات الخضر عام 2014.

هذه الأحياء باتت تلالا من الخراب وعند الانتقال إلى البقية "لم تشهد أي ضربة برغي" حسب تعبير عبد الرحمن الذي يمتلك بسطة لبيع الألبسة في محيط برج الساعة القديم. يقول عبد الرحمن لمراسل موقع "الحرة" وهو يشير إلى بناء "سيتي سينتر" المهجور: "الأسد لم يضرب فيه برغي".

ويضيف، وهو يلتفت يمينا وشمالا ويوجه أصابعه باتجاه السوق المسقوف (المقبي): "وحتى عملية ترميم هذا السوق جرت على حساب المكتب الإنمائي للأمم المتحدة. وربما سرق الكثير من هذا المشروع".

جزء من سكان حمص اتجهوا بعد سقوط نظام الأسد إلى نصب البسطات لبيع أي شيء قد يسهم في تحصيل لقمة عيشهم، والبعض الآخر استغل فتح الطرقات الحاصل بين المحافظات لاستقدام البضائع من الشمال "المحرر".

وآخرون بدأوا بإعادة ترميم ما تبقى من منازلهم على عجل وبشكل إسعافي، وخاصة في الأحياء التي لم تتعرض للكثير من الدمار كحي الإنشاءات. يوضح أحدهم لمراسل موقع "الحرة": "حمص لن تتعافى بسهولة. الأسد ترك أنقاضا على الأرض وفي النفوس"، قاصدا حالة الشرخ الطائفي.

ويتابع: "سمّ الأسد الكامن زرع عميقا في الوعي واللاوعي عند سكان حمص على مدى سنوات".

شاهد أيضًا

مكافحة الفساد مع الاستمرار في ممارسته.. ترقيع أم ابتزاز سياس ...

الثلاثاء/07/يناير/2025 - 09:10 م

في خطوة غير مسبوقة، بث الإعلام الرسمي مساء أمس تفاصيل مثيرة عن قضايا فساد مالي واسعة النطاق، طالت مؤسسات حكومية عديدة وأدت إلى خسائر قدرت بمئات الملاي


بين الوهم والواقع.. هل تستطيع الشرعية محاربة الفساد وهي غارق ...

الثلاثاء/07/يناير/2025 - 08:05 م

في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف باليمن، أعلنت الشرعية اليمنية نيتها مكافحة الفساد، وهو إعلان أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشع


قصة بقرة وحب أبدي.. كيف علّمتنا الطبيعة معنى الإخلاص؟ ...

الإثنين/06/يناير/2025 - 06:46 ص

في زاوية صغيرة من مديرية الأزارق بمنطقة حمادة بندل علي، حدثت واقعة تلامس القلوب وتقدم درسًا في الوفاء لا يُنسى. في مقبرة عرشة، كشفت قصة عجوز وبقرتها ع


سرقة الأراضي في وضح النهار.. تقرير يرصد الفوضى في إدارة ممتل ...

الأحد/05/يناير/2025 - 10:00 م

وجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، بتشكيل فريق متخصص من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لتقييم أداء الهيئة العامة لأراضي وعقار