آخر تحديث :الجمعة - 27 ديسمبر 2024 - 01:18 ص

آراء

المكنسان الجديدان

الأربعاء - 27 سبتمبر 2023 - الساعة 04:20 ص

الكاتب: عادل العبيدي - ارشيف الكاتب

كانت الأجواء مغيمة ، سحب كثيفة غطت السماء وحجبت بزوق أشعة الشمس ، من ليلة امس وهيئة الأرصاد الجوية تحذر أنه سيكون خلال الأيام القادمة هطول أمطار وعواصف رعدية قوية ، بحركات مستعجلة أخذت الأم جميع الأغراض التي اشترتها من بقالة الحي وبخطوات سريعة عادت إلى المنزل خوفا أن تمطر السماء ، قبل أن تدخل الأغراض إلى المطبخ وضعتها في أحدى زوايا الصالة ثم استلقت بجسدها المتعب على الفراش لتأخذ نفسا من الراحة ، مجموعة من الأقلاص والصحون والصحاف وبعض البهارات وبجانبهما مكنسان جديدان ، مكنس ريش لتنظيف المنزل من الداخل ومكنس من العزف لتنظيف المساحة المحيطة بالمنزل من الخارج ، هذه هي كل الأغراض التي أشترتها الأم .

بفضول طفولي التفتت نوال التي لم يتجاوز عمرها الرابعة والنصف تريد تعرف ماهي الأغراض التي اشترتها والدتها من البقالة ، وهي متسمرة في النظر إلى الأغراض وقعت عينيها على المكنسان الجديدان ، تولدت في داخلها مشاعر الرغبة والطموح للعمل ولفت أنظار باقي أفراد الأسرة بأبداعها وحنكتها فيما ستقوم به من أعمال نظافة ، تريد أن تكون ذات فائدة ومكانة بين أفراد أسرتها ، أخذت أولا المكنس الريش وبكل همة وجدية نظفت غرف وصالة المنزل ، ثم أخذت المكنس الآخر مكنس العزف وراحت تنظف به جوانب المنزل من الخارج ، كل هذا النشاط والهمة والأبداع في تنظيف داخل المنزل وخارجة من الطفلة نوال بسبب أنها وجدت مكنسين جديدين تستطيع بهما أتقان العمل على أكمل وجه .

وبينما كان الأب يراقب أبنته نوال وما شآبها من طموح وهمة ونشاط وجد حتى استطاعت تكملت تنظيف البيت من الداخل والخارج وكل هذا بوجود مكنسان جديدان فقط ، هنا تنهد الأب تنهيدة شل بها نفسا طويلا ثم أخذ يحدث نفسه : -

الكثير من الكواد الشابة المؤهلة والطموحة من حملة الدكتوراة والماجستير والبكلاريوس والمبدعون في مختلف المجالات والتخصصات غابوا وضاعوا وتواروا عن الأنظار ، أحلامهم وطموحاتهم المستقبلية قتلها اليأس ، لم يستطيعوا أن يبدعوا في خدمة الوطن والمواطن بتطورات جديدة ، وكل هذا بسبب استحواذ الآليات القديمة في النظم والمعلومات والقوانين على العمل في الوزارات والمؤسسات والهيئات والجامعات والمعاهد والمدارس ، ثم أخذ يسأل نفسه :
إلى متى ستبقى المحسوبية والمناطقية والمصلحة الشخصية في بلادنا هي المقياس في أختيار من يتولى ترأس الوزارات والمؤسسات والهيئات والجامعات من أصحاب العقول المتحجرة والأفكار القديمة ، لوكانت هناك نظم ومعلومات وقوانين وآليات جديدة متطورة وكفاءات مؤهلة متخصصة موجودة على رأس كل تلك المرافق الحكومية لكان وضع بلادنا في حال أفضل من هذا الوضع البآئس ؟
ولكان كوادرنا المؤهلين المتخصصين في نشاط وأبداع وطموح متواصل بما يفيد بلادهم ومجتمعهم وأنفسهم؟.