في جنوب الجزيرة العربية، حيث تتناثر الرمال على تخوم البحر، وحيث التاريخ محفور في وجدان الشعوب، يخوض أبناء الجنوب العربي معركتهم الأزلية من أجل الحرية والكرامة.. لم تكن قضاياهم يومًا نزوة عابرة، ولا كانت تضحياتهم مجرد ردود أفعال آنية، بل كانت وستظل معركة وعيٍ وهويةٍ ووجودٍ ضد محاولات الطمس والتهميش.
في مواجهة تاريخ طويل من الغزو والإقصاء، كتب الجنوبيون ملحمة صمود أسطورية، مدادها دماء الشهداء وأنين المناضلين في السجون وساحات النضال، وبينما حاولت قوى الاحتلال اليمني تطويق حلم الجنوب وإخماد صوته الحر، ازداد هذا الشعب إيمانًا بعدالة قضيته، وإصرارًا على شق طريقه نحو استعادة دولته كاملة السيادة والهوية.
اليوم، يقف الجنوب العربي على أعتاب مرحلة مفصلية، مثقلًا بذاكرة حافلة بالخذلان والمؤامرات، ولكنه أكثر تصميمًا من أي وقت مضى على انتزاع حقوقه، مهما كانت التحديات، ومهما حاولت القوى المعادية تغييب صوته عن مشهد المستقبل.
خلال العقود الماضية شهد الجنوب تحولات متسارعة، أكدت جميعها أن إرادة الشعوب قادرة على مقاومة الاحتلال وكسر محاولات التبعية والهيمنة، فمنذ عقود، والجنوب يخوض معركة وجودية مفتوحة، كان أبرز مفاصلها الغزو العسكري عام 1994، وما تلاه من سياسات ممنهجة استهدفت طمس هوية الجنوب وسحق إرادة شعبه.
غزو ممنهج... ومقاومة مستمرة
شكلت الحرب التي شنتها قوى الاحتلال اليمني في تسعينيات القرن الماضي بداية مرحلة مظلمة، لم تقتصر على الاحتلال العسكري للأرض، بل امتدت لتشمل تدمير بنية الدولة الجنوبية، وتهميش الإنسان الجنوبي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، إلا أن بشاعة تلك السياسات لم تزد أبناء الجنوب إلا صلابةً وإصرارًا على استعادة حقوقهم المغتصبة.
لم يكن العدوان مجرد احتلال عابر، بل جاء ضمن مخطط طويل الأمد لفرض الهيمنة الكاملة على القرار السياسي والاقتصادي للجنوب، ورغم المحاولات المتلاحقة لكسر شوكة الجنوب، أثبت الواقع أن مشروع التحرر الجنوبي عصيّ على الانكسار.
مسار نضالي راسخ نحو الاستقلال
خلال السنوات الأخيرة، رسم أبناء الجنوب خطًّا واضحًا لمسيرتهم التحررية، مستندين إلى إرادة شعبية لا تقبل المساومة أو التفريط، تمكنت القوى الجنوبية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، من تعزيز مكانة الجنوب عسكريًا وسياسيًا، وتحقيق مكتسبات ملموسة على الأرض أثبتت قدرتهم على حماية مشروعهم الوطني.
وسط بيئة إقليمية ودولية معقدة، استطاع الجنوب ترسيخ حضوره، فارضًا قضيته العادلة في المحافل السياسية، مؤكدًا أن خيار استعادة الدولة لم يعد مجرد شعار بل هو مشروع سياسي متكامل تُبنى عليه التفاهمات والمواثيق.
مواجهة المؤامرات بثبات ووعي شعبي
لم تكن معركة الجنوب مقتصرة على مواجهة السلاح فقط، بل امتدت لتشمل مجابهة محاولات خبيثة لإغراق الساحة الجنوبية بالفوضى والانقسامات الداخلية، بيد أن الوعي الشعبي الجنوبي شكل خط الدفاع الأول في التصدي لهذه المؤامرات، إذ باتت الجماهير أكثر إدراكًا لحجم التحديات، وأكثر تصميمًا على حماية مكتسبات نضالها الوطني.
في كل مفصل تاريخي، أثبت الجنوبيون أنهم ليسوا مجرد متلقين للأحداث، بل فاعلين أساسيين فيها، يقودون سفينتهم وسط أمواج عاتية نحو هدف واضح: استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، بهويتها وتاريخها وحدودها.
تضحيات خالدة وإرادة لا تلين
لا يمكن الحديث عن المسيرة التحررية للجنوب دون الإشارة إلى التضحيات الجسيمة التي قدمها الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، الذين خطّوا بدمائهم خارطة الطريق نحو الاستقلال. هذه التضحيات تشكل اليوم مصدر إلهام للأجيال الجديدة، ودافعًا متجددًا للثبات حتى بلوغ الهدف المنشود.
ومع كل محاولة فاشلة لإجهاض المشروع الجنوبي، تتجدد القناعة الشعبية بأن لا بديل عن التحرر، ولا مجال للعودة إلى الوراء، مهما كانت التحديات أو تعددت أشكال المؤامرات.
في ظل هذه التطورات، يظهر الجنوب العربي أكثر تصميما من أي وقت مضى على استكمال معركته المشروعة، مستندًا إلى إرث نضالي طويل، ومرتكنًا إلى وعي سياسي وشعبي متين، فالجنوب اليوم لا يقاتل من أجل قضية طارئة، بل من أجل حق تاريخي في السيادة وتقرير المصير، وهو حق لن يُنتزع مهما طال أمد الصراع أو تعددت أدوات التآمر.