تعد اليمن واحدة من البلدان التي تعاني من تفشي الفساد في مؤسساتها الحكومية، حيث تتصاعد الأصوات المطالبة بإصلاحات جذرية تعيد الثقة إلى الجمهور في مؤسسات الدولة.
في هذا السياق، يبرز اسم أنيس عوض باحارثة، مدير مكتب رئيس الوزراء، الذي يشغل أيضًا منصبي رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني ورئيس هيئة الاستثمار، بحيث يجسد نموذجًا للامتزاج بين السلطة والنفوذ، مما يستدعي التساؤل حول كيفية استخدامه لهذه المناصب لتعزيز مكاسبه الشخصية ومراكمة الثروة على حساب المصلحة العامة.
ازدواجية المناصب: التحديات القانونية والأخلاقية
يتعارض الجمع بين هذه الوظائف الثلاث مع القانون اليمني، حيث ينص قانون الخدمة المدنية على ضرورة عدم الجمع بين أكثر من وظيفة حكومية لضمان النزاهة والشفافية، إلا أن وزارة الخدمة المدنية، رغم تحذيراتها المتكررة، لم تتخذ خطوات عملية لوضع حد لهذه الممارسات، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في مواجهة الفساد، بحيث يعد هذا التقاعس عن اتخاذ إجراءات قانونية فعالة إشارة واضحة إلى انعدام المحاسبة والمساءلة في الأوساط الحكومية.
استغلال المناصب لتعزيز النفوذ الشخصي
-
التحكم في الأراضي العامة: كرئيس للهيئة العامة للأراضي، يمتلك باحارثة صلاحيات واسعة في إدارة الأراضي العامة. وقد وثقت تقارير عديدة تورطه في عمليات توزيع الأراضي بطريقة غير قانونية، حيث قام بمنح قطع أراضٍ مخصصة لمشاريع حكومية ومتنزهات عامة لقيادات سياسية وأفراد مقربين منه، مما يحرم المجتمع من استغلال هذه الأراضي لأغراض عامة. هذه الأفعال لا تعكس فقط فسادًا إداريًا، بل تؤدي أيضًا إلى تآكل الثقة في قدرة الحكومة على إدارة مواردها بصورة عادلة.
-
توجيه الاستثمارات لتحقيق مصالح شخصية: من خلال منصبه كرئيس هيئة الاستثمار، يستغل باحارثة سلطته لتوجيه المشاريع الاستثمارية نحو الشركات التي تتعاون معه. إذ يتم تخصيص أراضٍ لمستثمرين يعتبرهم باحارثة جزءًا من شبكته الفاسدة. هذا السلوك لا يسهل فقط الفساد، بل يسهم في تعطيل النمو الاقتصادي في البلاد، حيث يتم تحويل الاستثمارات العامة إلى أدوات لمراكمة الثروة الشخصية.
-
تعطيل التحقيقات والمساءلة: بصفته مدير مكتب رئيس الوزراء، يستفيد باحارثة من قربه من صناع القرار لتعطيل أي محاولة للتحقيق معه. هذا النفوذ يتيح له التحكم في سير التحقيقات، مما يسهل له الإفلات من العقاب ويعيق جهود مكافحة الفساد. يُظهر هذا الأمر بوضوح كيف يمكن لشخص واحد أن يعرقل جهود الإصلاحات الحكومية من خلال السيطرة على هياكل السلطة.
قضية خزانات رأس عيسى: نموذج للابتزاز المالي
تتجلى ممارسات باحارثة الفاسدة في قضايا محددة، مثل قضية خزانات رأس عيسى النفطية. حيث تم الإبلاغ عن قيامه بابتزاز الشركات المنفذة للمشروع، مطالبًا بعمولات نظير تسهيل صرف مستحقاتهم. وقد أدى هذا الابتزاز إلى تعطيل المشروع، مما كبد الاقتصاد اليمني خسائر فادحة، ويظهر مدى تأثير الفساد على المشاريع الحيوية في البلاد.
شبكة الفساد العائلية: تكريس الفساد
تشير المعلومات إلى أن شبكة الفساد المحيطة بأنيس باحارثة تشمل أفرادًا من عائلته الذين يشغلون مناصب في الهيئة العامة للأراضي، مما يعزز من إمكانية استغلال السلطة. إذ يتم التنسيق بينهم لتسهيل عمليات النهب والفساد، مما يجعل من الصعب محاسبتهم. هذه الديناميكية العائلية تعكس كيف يمكن للفساد أن يصبح نظامًا محميًا، يتيح للمتنفذين العمل بحرية ودون رادع.
الدعوات المتزايدة للإصلاح والمحاسبة
تزايدت الدعوات لإقالة باحارثة وتفكيك شبكة الفساد التي يديرها. ناشطون حقوقيون ورجال قانون يطالبون بتعيين شخصية نزيهة لإدارة الهيئة العامة للأراضي، مؤكدين على ضرورة استعادة الثقة في مؤسسات الدولة. يعتبرون أن استمرار باحارثة في منصبه يعكس عدم جدية الحكومة في مكافحة الفساد، مما يؤثر سلبًا على التنمية والحقوق الأساسية للمواطنين.
هل ستستطيع الحكومة كسر حلقة الفساد؟
تجسد قضية أنيس باحارثة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة اليمنية، مما يتطلب جهودًا حقيقية لإصلاح النظام ومحاسبة المتورطين. يبقى السؤال معلقًا: هل ستنجح السلطات في كسر حلقة الفساد والتجاوزات التي تحمي أمثال باحارثة، أم أن نفوذ المتنفذين سيستمر في تقويض جهود الإصلاح ومصلحة المواطنين؟ إن مواجهة الفساد تتطلب إرادة سياسية قوية وتطبيقًا حازمًا للقوانين، وهو ما تحتاجه اليمن في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها.