تزيد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تحركاتها لإعادة رسم قطاع الاتصالات الحيوي، في خطوة لكسر سيطرة الحوثيين على القطاع الذي يدر عوائد مالية معتبرة منذ بدء الحرب في 2015، ويعد واحداً من أهم الموارد المالية للجماعة، ما يثير تساؤلات حول نجاح الحكومة هذه المرة في تحقيق أهدافها.
وأعلنت الحكومة، مطلع أغسطس/ آب الجاري، إطلاق خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك" في اليمن، حيث سيتم تدشين الخدمة رسمياً في الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل. واستعرض اجتماع أخير للحكومة التقرير المقدم من المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية، حول التفاصيل التي تضمنها الترخيص الموقع مع "ستارلينك" والخدمات التي سيتم تقديمها من خلال المؤسسة، باعتبارها وكيلاً معتمداً لتقديم الخدمة.
وتؤكد الحكومة انتهاء كل الإجراءات المتعلقة بإطلاق خدمات "ستارلينك" في اليمن، مما سيحقق تقديم خدمة الإنترنت الفضائي بأسعار منافسة للفئات كافة، وبسرعات عالية الجودة. وأشارت إلى أنه سيتم قريباً إطلاق عملية واسعة لخدمات "ستارلينك" كافة من خلال نقاط بيع المؤسسة الموزعة والمنتشرة في أغلب المحافظات، حيث سيتم من خلالها تقديم الخدمات، بدءاً من بيع الأجهزة، وتفعيلها، وتسديد رسوم الاشتراك بأسعار مناسبة، وتقديم خدمات أخرى، منها الدعم الفني المباشر.
وأجرت الحكومة في وقت سابق مفاوضات مع شركة "ستارلينك" التي يملكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، لتزويد المناطق المحررة بخدمة الإنترنت الفضائي، كأحد الحلول لكسر سيطرة جماعة الحوثي على قطاع الاتصالات. وسبق لخدمة ستارلينك أن دخلت اليمن، حيث بيعت العديد من أجهزة الشركة في السوق السوداء، وهو الأمر الذي جعل القائم بأعمال وزير الاتصالات واعد باذيب يدعو من لديهم أجهزة إلى سرعة تسجيلها لدى مؤسسة الاتصالات لتتخذ صفة قانونية.
تأتي تحركات الحكومة الشرعية للسيطرة على خدمات الإنترنت الفضائي، بعدما طالبت في فبراير/ شباط الماضي شركات ومؤسسات الاتصالات الدولية بالوقف الفوري لأي تعامل مع جماعة الحوثي. كما وجهت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة اليمنية في يونيو/ حزيران الماضي شركات الاتصالات العاملة في البلاد بنقل مقراتها إدارياً وفنياً ومالياً إلى العاصمة المؤقتة عدن، واستكمال الإجراءات اللازمة لتصحيح أوضاعها، والالتزام بنقل مقراتها إلى عدن للحصول على التراخيص اللازمة.
وتؤكد الحكومة أن أكبر مصادر التمويل للحوثيين يأتي من قطاع الاتصالات. فبحسب تقارير إحصائية رسمية، يسهم قطاع الاتصالات بنحو 7% من إجمالي الناتج المحلي. كما أشار فريق خبراء الأمم المتحدة في تقاريره السنوية منذ 2015 إلى أن الحوثيين يحصلون على ما يقارب ملياري دولار سنوياً من قطاع الاتصالات.
وتعمل في اليمن أربع شركات للهاتف النقال، 3 منها كانت تتبع القطاع الخاص، إلى جانب شركة "يمن موبايل" الحكومية التي يسيطر عليها الحوثيون وتضم غالبية المشتركين في خدمات الهاتف النقال في البلاد، الذين يقدر عددهم حالياً بأكثر من 20 مليون مشترك. وكانت الشركة قد كشفت في نتائج أعمالها عن العام المالي 2021 عن تحقيق إيرادات تزيد عن 52 مليار ريال (حوالي 100 مليون دولار، وفق سعر صرف العملة الأميركية في مناطق سيطرة الحوثيين البالغ 530 ريالاً).
ووفق تقرير صادر حديثاً عن فريق الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة، يحصل الحوثيون على 407 مليارات ريال (نحو 740 مليون دولار)، من رسوم ترخيص شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية والتبغ وغيرها. ووفق أحدث تقرير لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات اليمني، يسجل اليمن انتشاراً متزايداً لوسائل الاتصالات، حيث بلغ إجمالي المشتركين في خدمة الهاتف النقال نحو 17.7 مليون مشترك، موزعين على كافة الشركات التي تقدم هذه الخدمة، كما سجل عدد مشتركي خدمة الإنترنت أكثر من 402 ألف مشترك بنهاية 2021، فيما اقترب إجمالي مشتركي الإنترنت المحمول من عشرة ملايين مشترك.
ووفقًا لموقع "ITU Data Hub" المتخصص في بيانات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، سجّل اليمن في 2023 نسبة 17.7% من السكان الذين يستخدمون الإنترنت، مما يشير إلى نمو محدود في الوصول الرقمي مقارنة بالعديد من الدول الأخرى. وتمر 15% من خدمة الإنترنت حول العالم عبر الأقمار الصناعية، و85% عبر الكابلات البحرية.
وقال خبير قطاع الاتصالات زياد النعمان لـ"العربي الجديد" إنه في حال تشغيل الإنترنت عبر شركة ستارلينك فسيمثل ذلك نقلة نوعية في قطاع الاتصالات، إذ إن السرعة المتوقعة للخدمة قد تتراوح بين 50 و200 ميغابايت في الثانية، وهي أعلى من السرعة الحالية بكثير، غير أن هناك مشكلة تتمثل في أن سعر الجهاز الخاص بشركة ستارلينك يفوق القدرة الشرائية لليمنيين. وأكد النعمان أن سعر الجهاز قد يصل في الحد الأدنى إلى 600 دولار في حال دخوله بطريقة رسمية، مضيفاً أن الخدمة في حال تشغيلها رسمياً ستتيح وصول الإنترنت إلى جميع المرافق العامة والخاصة وكذلك المناطق النائية والأرياف، وستقضي على إشكالية ضعف الإنترنت في اليمن.
وتقدّر بيانات رسمية نسبة اليمنيين الملتحقين بشبكات الاتصالات بنحو 60%، حيث لا يتجاوز متوسط سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول أكثر من 1 ميغابايت في الثانية، مقارنة بالسرعة على الصعيد العالمي التي تتجاوز 30 ميغابايت، وذلك بالرغم من تدشين خدمة الجيل الرابع في اليمن قبل نحو عامين، لكن بحسب كثير من المستخدمين لم تشكل التقنية الحديثة أي إضافة ملموسة في تحسين خدمة الإنترنت.
وكانت الحكومة الشرعية قد سعت في وقت سابق إلى انتزاع قطاع الاتصالات من يد جماعة الحوثي، ففي سبتمبر/ أيلول 2018 تأسست شركة "عدن نت"، باعتبارها أكبر مشروع حكومي في قطاع الاتصالات، بقرار حكومي، وبتكلفة 100 مليون دولار، لتغطية العجز الحاصل في خدمة الإنترنت، التي تقدمها شركة "يمن نت"، ولكسر احتكار جماعة الحوثي لقطاع الاتصالات.
غير أن هذا المشروع لم ينجح، ما جعل الحكومة تبرم نهاية 2022 مذكرة تفاهم مع الإمارات تسمح لأبوظبي بالاستثمار في قطاع الاتصالات في مناطق سيطرة الحكومة، بينما اعترض عدد من البرلمانيين، إذ وقع 37 عضواً في مجلس النواب مذكرة اعتبروا فيها أن بيع الحكومة شركة عدن نت، للإمارات، إجراء باطل ومخالف للقانون والدستور. ويحدد الدستور اليمني أن الاتفاقيات التي توجد فيها جهات أجنبية، يجب أن تمر عبر مجلس النواب اليمني، وأن يُوافق عليها.