آخر تحديث :الأربعاء - 19 مارس 2025 - 12:10 ص

منوعات


رمضان في لبنان.. تحديات اقتصادية واختبار جديد

الثلاثاء - 18 مارس 2025 - 08:30 م بتوقيت عدن

رمضان في لبنان.. تحديات اقتصادية واختبار جديد

العين الثالثة/ متابعات

في شهر رمضان هذا العام، يعيش اللبنانيون واقعًا صعبًا يثقل كاهلهم، إذ تزامن حلول هذا الشهر مع استمرار الأزمة الاقتصادية والحرب الأخيرة التي تركت آثارها العميقة على الحياة اليومية.

وبينما كان رمضان يشهد أجواء من الفرح والتجمعات العائلية، أصبحت هذه الأجواء اليوم محاطة بالقلق والتحديات المعيشية.

ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية جعلت الاحتفال بالمناسبة أكثر صعوبة على الكثير من الأسر، التي أصبحت تكافح لتلبية احتياجاتها الأساسية في ظل هذا الوضع الاستثنائي.

في أحد الأسواق الشعبية في بيروت، تتجول سميرة، وهي مواطنة لبنانية، بين المحال التجارية باحثة عن أسعار مقبولة للمواد الغذائية الأساسية.

تقول: "في السابق، كنت أستطيع شراء كل ما أحتاجه منذ بداية الشهر، ولكن الآن أصبحت أحسب كل قرش وأنتظر حتى اللحظة الأخيرة على أمل أن تنخفض الأسعار. لم أعد أتمكن من شراء كل شيء كان جزءًا من تحضيرات رمضان. كان من المعتاد أن أشتري الحلوى والفواكه الجافة والأطعمة التي تضيف رونقًا للمائدة الرمضانية، لكن كل شيء أصبح باهظًا. في السابق، كان راتبي يكفيني وأكثر، أما الآن، فهو بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية، ناهيك عن توفير ما أحتاجه من أدوية لأطفالي."

وتضيف سميرة: " في الماضي، كان لديّ مجال أكبر لاختيار السلع المختلفة، وكان بإمكاني شراء الأفضل بما يتناسب مع احتياجاتنا. أما اليوم، فقد أصبحت المائدة تفتقر أحيانًا إلى بعض العناصر الأساسية مثل الدجاج واللحوم، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار وضيق القدرة الشرائية، مما جعل خياراتنا محدودة بشكل ملحوظ .الآن، لا يمكنني حتى التفكير في التنويع. أحاول أن أكون صبورة وأخفف من حدة القلق على أسرتي."

سميرة تتحدث عن الأثر النفسي لهذه الأوضاع، قائلة: "في رمضان، كنت أستمتع بشعور العائلة حول المائدة، ولكن الآن، أصبح الحديث عن الطعام عبئًا ثقيلًا. هذا الوضع ينعكس سلبًا على المزاج العام في المنزل. أحيانًا، أحاول أن أخلق أجواء من الفرح للأطفال، لكن من الصعب إخفاء القلق والضغط الذي يشعر به الجميع."

خالد، الذي اختار أيضا كشف اسمه الأول فقط، يعمل في قطاع البناء، ويعبر عن تحدياته اليومية.

يقول: "في السابق، كانت الأسرة تأخذ نصيبها من الترفيه في رمضان. كنا نشتري الحلويات والمشروبات الرمضانية التي كانت تضفي طابعًا خاصًا على الشهر. لكن الآن، الأمور اختلفت تمامًا. راتبي بالكاد يكفي لتغطية فواتير الكهرباء والغاز، ناهيك عن الضروريات الأخرى. من المستحيل شراء الأشياء الفاخرة أو حتى الأطعمة التي كنت أعتبرها من المأكولات الأساسية في رمضان، حتى جاط الفتوش أصبح مكلفًا."

ويستطرد خالد: "أعيش في حالة من القلق المستمر، لا أعرف إذا كنت سأتمكن من دفع إيجار المنزل هذا الشهر أو إذا كان المال سيكفي لمصروفات الغذاء والاحتياجات الأخرى. قد يعتقد البعض أن الوضع في البناء أفضل من بعض القطاعات الأخرى، لكن الحقيقة أن هذه الصناعة أيضًا تأثرت بشكل كبير، وزادت التحديات، سواء في تأمين المواد أو الحصول على الأجور المناسبة."

ويضيف خالد أنه رغم قلة الموارد، فإنه يحاول أن يحافظ على تقاليد رمضان قدر الإمكان، قائلاً: "حتى إن كانت الأمور صعبة، فإنني أحاول أن أكون مصدر دعم لعائلتي. نعيش يومًا بيوم، وعندما أرى عيون أولادي تشرق بفرحة الإفطار الجماعي ، أجد نفسي قادرًا على التغلب على بعض هذه الصعوبات."

في المقابل، تحاول الجمعيات الخيرية والمبادرات المجتمعية سدّ جزء من الفجوة التي خلّفتها الأزمة الاقتصادية، حيث انتشرت موائد الإفطار الجماعي والمساعدات الغذائية في مختلف المناطق.

في هذا السياق، تقول ناديا، وهي متطوعة في إحدى الجمعيات: "تجربة مريرة ولكنها مليئة بالأمل، لاحظنا هذا العام زيادة كبيرة في عدد العائلات التي تتوجه إلى الجمعيات طلبًا للمساعدة مقارنة بالأعوام السابقة. الوضع أصبح أكثر صعوبة، خاصةً بالنسبة للعائلات التي تعيش من رواتب ثابتة أو التي تأثرت بشكل مباشر بالأزمة الاقتصادية او العائلات التي تضررت منازلها وارزاقها خلال الحرب. الكثير منهم لم يعد لديهم القدرة على شراء احتياجاتهم الأساسية، ولا سيما المواد الغذائية التي عادةً ما تزداد أسعارها بشكل كبير مع قدوم شهر رمضان. في كل مرة أذهب فيها لتوزيع المساعدات، ألاحظ الوجوه التي تحمل على عاتقها همومًا كبيرة، لكن في نفس الوقت هناك شعور بالامتنان العميق لأن هناك من يساعدهم في تخفيف العبء عنهم."

وتضيف: "الناس باتوا أكثر اعتمادًا على هذه المساعدات، لكننا نواجه تحديًا كبيرًا في توفير الموارد الكافية لتلبية احتياجات الجميع. ولذلك، نجد أنفسنا نعمل بشكل أكبر من أجل تلبية احتياجاتهم من خلال موائد الإفطار الجماعية، التي أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث يتم توفير وجبات إفطار مجانية لمئات الأشخاص الذين لا يملكون القدرة على تحضير الطعام بأنفسهم."

وتختتم ناديا حديثها قائلة: "رغم كل الظروف الصعبة التي نمر بها، لا يمكننا أن نغفل عن مشهد التكافل الذي يعكس أصالة المجتمع اللبناني. أعتقد أن هذا التماسك الاجتماعي هو الذي سيبقي الأمل حيًا بين الناس، حتى في أحلك الظروف."

في حديثه عن الوضع الاقتصادي في لبنان، يشير الخبير الاقتصادي نديم السبع إلى أن الوضع العام في البلاد "تعبان" ويعاني من العديد من المشكلات، أبرزها أزمة المصارف التي تضاف إلى الأعباء التي يتحملها المواطنون. ويضيف السبع أن الحرب الأخيرة كانت بمثابة "الشعرة التي قسمت ظهر البعير"، إذ تسببت في تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر، خاصة بالنسبة للعائلات التي تعرضت بيوتها للتدمير الجزئي أو الكامل خلال الأشهر الماضية. كما أن الأشغال توقفت بشكل ملحوظ بعد الحرب، ليشهد الوضع الاقتصادي تراجعًا كبيرًا في الفترة التي تلتها.

وفيما يخص شهر رمضان، يلفت السبع إلى الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية، سواء من أكل وشرب وبالنسبة للخضراوات أيضا، مما يزيد من معاناة اللبنانيين في هذا الشهر . ويؤكد أن الدولة اللبنانية لا تمتلك جهات رقابية فعالة لمراقبة هذه الارتفاعات في الأسعار، ولا توجد شبكة ضمان اجتماعي كافية لدعم الأشخاص الأكثر فقرًا، سواء في رمضان أو غيره من الأشهر.

ويضيف السبع: "شهر رمضان هذا العام يعد أصعب بكثير مقارنة بالعام الماضي. في العام الماضي، لم يكن هناك دمار واسع من الحرب، ولم تكن الخسائر المالية التي فاقت 20 مليار دولار قد حدثت بعد. العديد من الناس فقدوا وظائفهم ومحلاتهم وبيوتهم بسبب الحرب، مما أدى إلى فقدان القدرة الشرائية بشكل حاد."

ورغم الجهود المبذولة من الجمعيات والمبادرات الفردية لتقديم المساعدة، يرى السبع أن هذه المبادرات لا يمكن أن تحل مكان دور الدولة. "نحتاج إلى عمل مؤسساتي من الدولة اللبنانية، لا يمكن الاعتماد فقط على الجمعيات والمبادرات الفردية. الوضع يتطلب تدخلًا حقيقيًا من قبل المؤسسات الحكومية لتوفير الدعم الفعّال والشامل للمواطنين."

في تعليقه على التحديات الراهنة وتأثيرها على سوق المواد الغذائية في لبنان، يؤكد هاني البحصلي، رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، أن "الناس تشعر أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت، ولكن الحقيقة أن الأسعار ظلت ثابتة نسبيًا."

ويضيف البحصلي أن الضغط الحقيقي على اللبنانيين في شهر رمضان لا يكمن في الزيادة الفعلية في الأسعار، بل في الضغوط الأخرى التي ترافق هذا الشهر، مثل الموائد الرمضانية، وتجمعات العائلة والأصدقاء، والدعوات التي تثقل كاهل الأسر. "القدرة الشرائية للمواطن اللبناني ليست في أفضل حالاتها، وهذا هو الضغط الأكبر أكثر من زيادة الأسعار نفسها."

ويشير إلى أن "الناس لم تعد قادرة على تحمل هذه الضغوط الاقتصادية."كما يوضح أن نقابة مستوردي المواد الغذائية قامت بخطة استباقية قبل أربعة أشهر من شهر رمضان، حيث تم طلب المواد الغذائية بكميات كبيرة لتلبية احتياجات السوق.

ويضيف: "أي طلبية للسلع الغذائية يجب أن تتم قبل عدة أشهر من رمضان، ولذلك يجب التنويه إلى الجرأة التي أظهرها القطاع الخاص اللبناني، الذي قرر استباقيًا تأمين احتياجات السوق على الرغم من الظروف الأمنية الصعبة في فترة الحرب وأنه لولا الجرأة التي أبدتها الشركات الخاصة، لكان لبنان شهد انقطاعًا في بعض السلع الغذائية في رمضان، قائلاً: "لو أن كل تاجر رفض تأمين الطلبات خلال فترة الحرب، لكانت الأسواق الآن تشهد انقطاعًا ونقصًا في بعض السلع الأساسية. هذه خطوة شجاعة من القطاع الخاص، الذي خاطر في وقت كانت فيه الصواريخ تقصف لبنان، ليضمن توافر السلع في شهر رمضان.

يبدو أن رمضان هذا العام يحمل معه اختبارًا آخر لصمود اللبنانيين في وجه الأزمات، حيث يستمر البحث عن حلول وسط ضغوط معيشية لم يعد من الممكن تجاهلها. وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، تبقى روح التضامن والقدرة على التكيف مع التحديات أبرز ملامح شهر رمضان، ما يعكس قدرة اللبنانيين على التماسك ومواجهة الأزمات بروح الأمل والعزيمة. ورغم هذه الصعوبات، يظل اللبنانيون متمسكين بجوهر شهر رمضان، حيث يستمرون في ممارسات التضامن والتكافل الاجتماعي، مثل تبادل الأطباق بين الجيران والتجمع حول موائد الإفطار الجماعي، التي تشكل مصدرًا للأمل في ظل الأزمات.


شاهد أيضًا

رسائل هامة من الزُبيدي في سقطرى.. ماذا قال؟ ...

الثلاثاء/18/مارس/2025 - 12:49 ص

أكد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أن سقطرى تمثل جوهرة الجنوب وروحه النابضة، مشددً


رئيس انتقالي سقطرى: الزُبيدي صوت الجنوب القوي.. وزيارته دفعة ...

الثلاثاء/18/مارس/2025 - 12:34 ص

أكد رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة أرخبيل سقطرى، سعيد عمر بن قبلان، أن زيارة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، نائب رئيس مجلس


الزُبيدي في سقطرى.. زيارة تاريخية ...

الإثنين/17/مارس/2025 - 05:27 م

وصل القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عصر اليوم الإثنين، إلى محافظة أرخبيل سقطرى في زيارة هي


الزُبيدي يضع خارطة طريق لتعزيز دور الانتقالي وتوسيع أنشطته ا ...

الإثنين/17/مارس/2025 - 03:31 ص

رأس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مساء اليوم الأحد، اجتماعًا للهيئات التنفيذية للقيادة ا