على مدى السنوات الماضية، لا يزال اليمن يعاني من صراع معقّد يهدد استقراره الاجتماعي والسياسي، ويزيد من تعميق الفجوة بين الشمال والجنوب. وفي خضم هذه الأحداث، برز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية تُعبر عن تطلعات أبناء الجنوب لتحقيق استقلال دولتهم، وسط شراكة هشة تجمعه بحكومة الشرعية اليمنية.
في هذا السياق، جاء مقال القيادي البارز في المجلس الانتقالي، د. ناصر الخبجي، ليكشف بجرأة ووضوح عما يصفه بأنه "انحراف" عن مبادئ الشراكة، ويعبر عن استياء عميق تجاه ما وصفه بـ"قوى مستحدثة" ضمن حكومة الشرعية، تسعى لعرقلة قضية الجنوب ومحاولة النيل من مكتسباته.
انتقادات حادة للشراكة و"الولادة الفاسدة"
جاء وصف الخبجي في مقاله حول الورشة التي جرت مؤخرًا في العاصمة عدن بين بعض الأطراف السياسية كـ"ولادة فأر أجرب"، واعتبر هذه القوى المستحدثة بمثابة طفيليات سياسية لا تملك سوى إعاقة المجلس الانتقالي وزعزعة استقرار الجنوب. وهو يلمّح بذلك إلى أن الأطراف السياسية التابعة للحكومة الشرعية تعمل بمثابة قوى "مستجلبة" للمشهد السياسي، تحاول التسلل إلى النسيج الجنوبي وفرض نفوذها بأجندات تسعى لتهميش المجلس الانتقالي وفرض أطماع سياسية غير مرغوب فيها.
وصرح الخبجي أن هذه القوى لن تكون قادرة على تحقيق موطئ قدم في الجنوب، موضحًا أن "الفأر الأجرب" سيبقى في حالة هروب مستمرة، غير قادر على التأقلم مع الواقع الجنوبي الذي يعادي كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار.
هذا التشبيه القوي يحمل دلالة واضحة عن النظرة السلبية التي يحملها المجلس الانتقالي تجاه أي محاولات تمس استقلال الجنوب، وتؤكد على رفض الشعب الجنوبي لأي محاولات للتغلغل بين صفوفه بهدف تقويض مشروعه الوطني.
التحديات التي تواجه الشراكة السياسية بين الانتقالي وحكومة الشرعية
تواجه الشراكة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية تحديات جذرية تهدد استمرارها، وفي مقاله، أعرب د. الخبجي عن استيائه مما يراه انحرافًا عن مسار التوافق السياسي، معتبرًا أن الشراكة مع الحكومة الشرعية باتت عرضة للتقويض بفعل تصرفات بعض القوى السياسية المتحالفة مع الشرعية والتي تسعى لإضعاف الموقف الجنوبي.
وفي نظره، أصبح المجلس الانتقالي، الذي يمثل تطلعات أبناء الجنوب، أمام خيارين: إما الاستمرار في هذه الشراكة المتهالكة، أو السعي نحو استعادة كامل السيادة على الجنوب، حتى لو تطلب الأمر مواجهة مباشرة مع القوى التي تعارض هذا التوجه.
يؤكد الخبجي أن التوجه نحو فك الارتباط مع حكومة الشرعية ليس مجرد قرار سياسي، بل هو مطلب شعبي يعكس تطلعات أبناء الجنوب نحو تحقيق استقلال دولتهم المنشودة، وسط مخاوف من أن يؤدي الاستمرار في هذه الشراكة إلى تضاؤل فرص استعادة الدولة الفيدرالية المستقلة، وتحقيق العدالة الاجتماعية لأبناء الجنوب.
التوجه نحو الاستقلال واستعداد الجنوب للتضحية
في مقاله، يؤكد الخبجي على استعداد المجلس الانتقالي والشعب الجنوبي لتحمل جميع التحديات والضغوطات لتحقيق هدفهم الأسمى، وهو استقلال الجنوب عن الشمال واستعادة دولتهم ذات السيادة الكاملة.
ويشير إلى أن كل المحاولات الرامية لإفشال المشروع الجنوبي ستبقى غير مجدية، معتبرًا أن "الفأر الأجرب" لن يكون له مكان في الجنوب الذي يستمد قوته من أبنائه، المستعدين للتضحية من أجل حماية مكتسبات ثورتهم، وتحقيق طموحاتهم في بناء دولتهم المستقلة.
وقد عُرِف عن المجلس الانتقالي الجنوبي رفضه لأي حلول وسط تتعارض مع هدف استقلال الجنوب، وهو يواصل تأكيده على أن شعب الجنوب لا يزال صامدًا ومتمسكًا بمطالبه السياسية مهما اشتدت الضغوطات.
هذا التوجه يعكس رؤية المجلس الانتقالي بأن الاستقلال هو الحل الأمثل لتجنب المزيد من النزاعات وتحقيق الاستقرار الذي طالما طمحت إليه الأجيال السابقة والحالية في الجنوب.
خطر الفوضى وزعزعة الاستقرار
يبرز الخبجي في مقاله أن استمرار الشراكة الحالية، والتي يرى أنها تفتقد للتوافق الحقيقي، يفتح الباب أمام مرحلة من الفوضى التي قد تعصف بما تم تحقيقه من مكتسبات سياسية وعسكرية في الجنوب، ويشير إلى أن تجاهل مطالب الشعب الجنوبي يعرض البلاد لانفجار محتمل قد يهدد بنسف العملية السياسية برمتها، لا سيما في ظل تفاقم الخلافات بين المجلس الانتقالي وحكومة الشرعية.
ويرى الخبجي أن العودة إلى الصراع الداخلي في الجنوب ستكون نتيجة حتمية لاستمرار تجاهل الحقوق الجنوبية، وأن المجلس الانتقالي لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات التقويض، ويخشى المجلس من أن يؤدي استمرار الشراكة دون مراعاة مطالب الجنوب إلى تهيئة الساحة لفوضى تهدد الجبهة الداخلية، وتفتح المجال أمام الحوثيين وأطراف أخرى لاستغلال هذا الانقسام.
تداعيات الاستمرار في الشراكة ومصير الحكومة الشرعية
يؤكد الخبجي أن الاستمرار في الشراكة مع حكومة الشرعية اليمنية قد يقود إلى سقوط الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، خصوصًا في حال استمرار تجاهل الحقوق الجنوبية وعدم الالتزام بمبادئ التوافق، واعتبر أن الانحراف عن هذه المبادئ يمثل تهديدًا للمكتسبات التي تحققت، ويعرض الجهود المبذولة لمواجهة الحوثيين لخطر التراجع، ما قد يؤدي إلى انهيار التحالفات والاتفاقيات القائمة، ودخول البلاد في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.
هذه التصريحات تعكس مدى الاستياء الذي يشعر به المجلس الانتقالي من سياسات الحكومة الشرعية، وتؤكد على أن الانتقالي لن يلتزم بشراكة لا تلبي طموحات الجنوب ولا تعترف بحقه في الاستقلال والسيادة.
ووفقًا للخبجي، فإن خيار الاستمرار في هذه الشراكة سيكون بمثابة خطوة نحو الفوضى، حيث إن تعنّت الحكومة الشرعية ورفضها للاتفاق مع المجلس الانتقالي سيؤدي إلى تعقيد الوضع السياسي والأمني في الجنوب واليمن ككل.
في ظل ما يتضح من مقال د. ناصر الخبجي، يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتجه نحو مرحلة جديدة من المواجهة مع حكومة الشرعية اليمنية، فالتصريحات التي أدلى بها تعكس عدم الرضا عن المسار السياسي الحالي، والقلق من وجود قوى وصفها بأنها تسعى لزعزعة الاستقرار وإفشال المشروع الجنوبي.
ويعكس هذا الخطاب رغبة المجلس الانتقالي في تحقيق استقلال الجنوب ويُنبئ بأن الصراع اليمني، الذي طال أمده، قد يشهد مرحلة جديدة أكثر تعقيداً.
وتعكس تطلعات المجلس الانتقالي نحو تحقيق دولة جنوبية مستقلة رغبة شعبية واسعة في الجنوب، لكن التحديات التي تواجهها هذه الطموحات تتطلب جهودًا سياسية وعسكرية كبيرة. في النهاية، يبقى مستقبل اليمن مرهونًا بالقدرة على تحقيق التوافق بين الأطراف المختلفة، وتجنب الانزلاق نحو الصراعات التي قد تقوّض الأمن والاستقرار المنشود في المنطقة.